ربى أبو عموفي ليتوانيا، بات الأحمر خطاً أحمر. يمكن للشاعر أن يترك النجوم جانباً، وبدلاً من ذلك يستوحي من القمر. ربما يستطيع الفلاح العمل من دون منجله الصدئ، مستعيناً بأدوات التكنولوجيا البراقة. فها هو وعي الليتوانيين الأوروبي ينتقم من لاوعيهم الشيوعي. تتراكم الأحداث في اللاوعي، تبني قصتها بمعزل عن الوقائع أو تُضخّمها، تكره أو تحب أكثر من حجم الكره الذي يطلبه الواقع، إلى أن تأتي النهاية، إما الانتقام أو المواجهة بعد المصالحة مع الماضي أو تطهيره.
اتخذت ليتوانيا قرار المواجهة من خلال الهروب. فبعدما كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، انضمت في عام 2004 إلى الاتحاد الأوروبي، لتثبت لنفسها أنها دخلت حقاً مساراً جديداً. أما في الداخل، فجرأة دفينة نضجت فجأة وأخرجت حقد الماضي. حقد تمثّل بموافقة البرلمان الليتواني على حظر جميع الرموز السوفياتية والنازية في البلاد، ليبدو أن البرلمان عمد إلى مساواة النازية بالسوفياتية. أما السبب، فيعود إلى اعتبار هذه الرموز بمثابة دعاية للنظامين «الاحتلاليين» النازي والشيوعي، اللذين «أنهكا شعوباً كثيرة».
تتضمن الشيوعية مجموعة من الرموز، التي تمثّل عدداً من المواضيع التي بنيت على أساسها، كالثورة، والطبقة العاملة، وطبقة الفلاحين، والزراعة، والتضامن الدولي... فالدول الشيوعية والأحزاب والحركات تستخدم هذه الرموز بهدف التعريف عن نفسها ومطالبها، وخلق تضامن دولي معها في العالم. بمعنى آخر، هي عملية الجذب للقضية.
تشمل الممنوعات رفع الأعلام المتضمنة رموزاً سوفياتية أو نازية خلال التظاهرات، بدلات النازيين، أي إشارة تدل على الاتحاد السوفياتي السابق أو جمهورية ليتوانيا السابقة، الصليب النازي المعقوف، المطرقة والمنجل السوفياتيين، النجمة السوفياتية، الأناشيد... إلخ.
ليتوانيا ليست الدولة الأولى التي ساوت الشعارات السوفياتية بالنازية. فالبرلمان الإستوني كان قد أصدر قراراً مماثلاً قبل فترة قصيرة من إزالة تمثال الجندي البرونزي العام الماضي، وخصوصاً أن الإستونيين الإثنيين عدّوا وجود هذا التمثال بمثابة ذكرى أليمة للمشقات التي نتجت من الحكم السوفياتي. فغدا المواطن الذي يرغب بارتداء الدرع السوفياتية مجرماً وفقاً للقوانين الإستونية.
لا شكّ في أن القرار الليتواني سيستفزّ روسيا. قد تراه «إرهاباً» على غرار الوصفة التي استخدمتها حيال إزالة التمثال البرونزي. ستستمر الحرب الباردة اللفظية بين الابن المتبنى الذي ضل الطريق، وبين روسيا المتبنية، إلى أن يعيد الثنائي الرئيس الروسي ديمتري ميدفديف ورئيس وزرائه فلاديمير بوتين، نصب بلادهم من جديد. عندها ستعيد موسكو فتح الاتحاد السوفياتي، وإن اضطرها الأمر، إلى تنويم جمهورياتها السابقة مغناطيسياً.