أرنست خوري في هذه البقعة الطرفية من العالم، يعاني البيت الابيض حالياً أزمة مستعصية عمرها عامان. العاصمة الأرمينية يريفان، لا تزال منذ أيار عام 2006 من دون سفير. السبب لا يتعلّق برغبة حصر النفقات، بل لأنّ الفيتو الديموقراطيّ في الكونغرس منع مرشّح بوش ريتشارد هوغلاند لتولّي شؤون السفارة من التنعّم بإقامة هادئة في هذه المدينة، فقط لأنّ الرجل أمين لقرار الجمهوريين التنكّر لما يصفه الأرمن والديموقراطيون الأميركيون بأنه «إبادة جماعيّة» تعرّض لها الأرمن على يد الأتراك.
العقدة التاريخية هي هي. فالجمهوريون والديموقراطيون لم يتّفقوا بعد على تقويم موحّد لتاريخ الحرب العالمية الأولى.
خلاف يجعل من أقوى دولة في العالم من دون سياسة خارجيّة موحّدة تجاه الأرمن والأتراك. حتّى إنّ السفير الأميركي الذي تولّى للمرة الأخيرة مركزه في يريفان، طردته إدارته لأنه أغضب الأتراك وغازل الأرمن، مستعملاً لمرّة واحدة عبارة «إبادة».
يُرَجّح أن تكون أروقة الكونغرس شهدت، يوم أمس، «لعبة» أو حيلة بطلها كل من المرشّحة لمركز السفيرة الأميركية لدى يريفان ماري يوفانوفيتش، والمرشّح لخلافة روس ولسون على رأس السفارة الأميركية في أنقرة، جايمس جيفري.
فيوم أمس، كان الموعد المقرر لأن يشهد المرشّحان أمام لجنة الشؤون الخارجيّة في الكونغرس لنيل القبول أو الرفض لترشيحهما. وكشف مراسل الصحيفة التركيّة الناطقة بالإنكليزية «توركيش دايلي نيوز» أنّ البيت الأبيض أوصى كلاً من يوفانوفيتش وجيفري باعتماد حيلة للتهرّب من الإجابة عن السؤال السحري لأعضاء لجنة الشؤون الخارجية ذات الغالبية الديموقراطيّة: هل تعتقد أنّ هناك شيئاً يسمّى «إبادة أرمنيّة». الخطّة عنوانها «استراتيجيّتان متناقضتان». وهي تقضي بأن يجيّر جيفري الإجابة عن السؤال إلى زميلته يوفانوفيتش، بحيث تقول الأخيرة أمام الشيوخ والنواب «نعم»، وخصوصاً أنّ «محامي الأرمن» في الكونغرس، السناتور روبرت مننديز، هدّد علناً في وقت سابق بأنه سيضع الفيتو على اسم يوفانوفيتش إذا لم تعترف بأنّ الإبادة حصلت فعلاً.
وفي تشرين الأول الماضي، أوصلت الإبادة الأرمنيّة العلاقات الأميركية ـــ التركيّة إلى حساسيّة بالغة. حينها، قررت لجنة الشؤون الخارجيّة في الكونغرس طرح قانون على الهيئة العامة لاعتبار أحداث عام 1915 «إبادة جماعيّة» حصلت بحقّ الأرمن. الردّ التركي جاء عنيفاً، إلى حدّ أنّ أنقرة لوّحت بأنّ إقرار القانون سيؤدّي إلى «تحطيم كامل العلاقات بين واشنطن وأنقرة».
حدّة أجبرت بوش شخصياً على ممارسة ضغوط هائلة وتقديم توسّلات إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لكي تؤجّل الموضوع. ولمّا لم يكن ذلك كافياً، دعا بوش رجب طيب أردوغان إلى زيارته في البيت الأبيض، ليتعهّد له طيّ الملفّ على الأقلّ إلى حين انتهاء ولايته في 4 تشرين الثاني المقبل.
المراوغة الأميركيّة تبدو واصلة إلى أفق مسدود؛ فالمرشّح باراك أوباما دقّ ناقوس الخطر، وتعهّد بأن يكون إقرار قانون «الإبادة» أولى خطواته بصفته رئيساً للاتحاد الأميركي.