قادة وزعماء أوروبا في جهة، وهموم شعوبهم في أخرى. يوم أمس كان مشهداً حيّاً لهذا الانقسام. خارج مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل احتشد الآلاف من سائقي الشاحنات والمزارعين وجميع من يعانون من ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية. وداخل القاعة، كان الزعماء يبحثون عن أفضل الطرق للتحايل على الرفض الشعبي الإيرلندي لمعاهدة لشبونة
برلين ــ الأخبار

كان مقرراً للقمة الأوروبية التي انعقدت أمس وتنتهي اليوم في بروكسل، أن تبحث بحلول عملية لأزمة ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائيّة. غير أنّ القرار الشعبي الإيرلندي في رفض «معاهدة لشبونة» البديلة للدستور الموحّد، فرضت جدول أعمال مختلفاً، على حساب تهميش مصالح الناس وقضاياهم. فقد اجتمع ممثّلو الدول الـ27 في مقرّ الاتحاد في بلجيكا، وكما كان متوقعاً، لم يتوصّلوا إلى حلّ يجمعون عليه لحلّ معضلة الـ«لا» الإيرلنديّة.
حتّى إنّه بات مؤكداً ألا يتوصلوا إلى اقتراح يعلنونه اليوم في ختام لقائهم، وهو ما عبّر عنه معظم المسؤولين الأوروبيين.
وفي السياق، أشار رئيس الوزراء الإيرلندي بريان كوين إلى أنه «لا يزال من المبكّر جداً التحدث عن اقتراحات، ونحن بحاجة إلى العمل بجدّ في الأشهر المقبلة للتعرف على حلول ممكنة قد تكون مناسبة لنا».
كلام يتّفق مع ما اقترحه رئيس المفوضية الأوروبية خوسي مانويل باروزو عندما وضع حدّاً زمنياً يصل إلى تشرين الأول المقبل، للوصول إلى اتفاق لحلّ معضلة الرفض الإيرلندي، بما أنّ إجماع الدول الـ27 إجباري لاعتماد نصّ المعاهدة.
في هذا الوقت، سار أعضاء مجلس اللوردات البريطاني في قطار مخالفة الإجماع الأوروبي المفترض تأمينه لمعاهدة لشبونة، حين أقرّوا المعاهدة، ليكونوا بذلك الدولة الـ19 التي يقرّ برلمانها الاتفاقيّة. وعلى الصعيد البرلماني، سيكون التشيكيون التحدّي المقبل، إذ يُرَجّح أن يرفضها النواب عند طرحها أمامهم. وخصوصاً أنّ رئيسهم فاتسلاف هافل أعلن يوم الجمعة الماضي أن عملية المصادقة ستتوقف في بلاده.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد سارعت قبل ساعات من بدء أعمال القمة إلى دحض ما سبقها إليه وزير خارجيتها فرانك شتاينماير (الحزب الاشتراكي) الذي كان طالب باعتماد المسار الوحدوي المقرّر بموجب اتفاق لشبونة من دون انتظار موافقة إيرلندا.
وأعلنت ميركل أن «المسار الوحدوي في أوروبا مشروط بموافقة إيرلندا وانضمامها، ويتوجب على بقية الدول الأعضاء منح دبلن المزيد من الوقت للتفكير في خياراتها».
وبهذا، تكون ألمانيا قد أبطلت المطالب باعتماد «مسار السرعتين»، أي الانقسام إلى دول تعتمد مساراً وحدوياً سريعاً ودول أخرى تعتمد مساراً بطيئاً لكن ثابتاً.
وعطّل الرفض الإيرلندي للنسخة الحالية من «معاهدة لشبونة»، ما كان مقرراً أن يتم في نواح عديدة أهمها: توسيع الاتحاد إلى دول البلقان، واستحداث منصب رئيس للاتحاد ووزير خارجية له بصلاحيات كبيرة، وتحديد شروط جديدة للعضوية وحسم السياسات الاقتصادية والمالية داخل السوق الأوروبي باتجاه ليبرالي يهمّش مصالح الطبقات ذات الدخل المحدود، وصولاً إلى الملف الشائك الأخير المتعلق بتحديد سياسة موحّدة في حقّ اللجوء والهجرة.
وعلى هذا الصعيد، حاول رئيس الحزب الليبرالي الديموقراطي الألماني غيدو فيسترفيلله تبرير النتائج السلبية للاستفتاء الإيرلندي من خلال اتهام المسؤولين بعدم منح الشعب الإيرلندي فرصة التفكير الكافي، بالإضافة إلى الدعاية السيئة وغير الكافية بشأن ملف «الهجرة واللجوء»، وانحصار النقاشات في الملفات الأوروبية الشائكة بـ«طبقة نخبوية» داخل إيرلندا.
ولن يعلن عن أيّ حلّ في ختام القمة، إذ إن دول الاتحاد وعدت بإعطاء الإيرلنديين مزيداً من الوقت لتحليل أسباب رفضهم للاقتراع.
وعن الموضوع الذي كان يجب أن يحتلّ الأولوية في نقاشات المسؤولين الأوروبيين، أي موجة الغلاء التي تتسبّب حالياً بحركة إضرابات عامّة في كل من فرنسا والبرتغال وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، يُتوقّع أن يكتفي المؤتمرون بدعوة دول الاتحاد إلى تبني سياسات طوعية لمساعدة الطبقات الأضعف على مواجهة الصدمة النفطية الثالثة، عبر تقديم مساعدات أهدافها محددة.
وسيسعى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي سيتولى الرئاسة الدورية للاتحاد اعتباراً من الأول من تموز المقبل، إلى دعوة شركائه إلى الحد من زيادة ضريبة الرسم المضافة على المحروقات.