دخلت التهدئة في قطاع غزة يومها الثاني ضمن وتيرة الالتزام، عكّرها بعض الشيء إعلان المتحدث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، أن حركته لن تجبر باقي الفصائل الفلسطينية على الخضوع للهدنة بالقوة. إلّا أن اللافت كان انتقال التصعيد الأمني إلى الضفة الغربية مع إطلاق صاروخٍ إسرائيلي نحو بلدة فلسطينية، فضلاً عن أن الهدنة أفسحت المجال أمام عودة الداخل الفلسطيني إلى الواجهة، مع إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراء إصلاح شامل في أجهزة الأمن لمواجهة تمدّد «حماس» في الضفّة.وأصدر عباس أمس مرسوماً بتقاعد قادة من الحرس القديم في الأجهزة الأمنية ومنح صلاحيات واسعة لوحدات سرية خاصة لتنفيذ القانون. وتنحّى بضعة آلاف من الضباط الذين ترقوا في ظل الزعيم الراحل ياسر عرفات عن مناصب القيادة، بعدما عرض عباس عليهم ترقيات سابقة على التقاعد ومعاشات تساوي أجراً كاملاً.
ويقول مؤيدون إن التغييرات الأمنية تهدف إلى كبح جماح «حماس» في الضفة الغربية وتعزيز فرص التوصل إلى اتفاق في شأن قيام دولة. وأعلن المرسوم أن مراكز الاعتقال التابعة لقوة الأمن الوقائي قانونية، ونص على أن أنشطتها «سرية» تماماً ومنح هذه القوة سلطات واسعة لتطبيق القانون.
في هذا الوقت، انتقدت حركة «حماس» تجاهل الوفد «الفتحاوي» الذي زار غزّة أخيراً المسؤولين الحكوميين في القطاع. ووصفت الحركة عدم اجتماع الوفد مع رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية، بأنه تصرّف «يضر بجهود المصالحة».
وأوضحت «حماس» أنه كان مقرراً أن يجتمع هنية مع المبعوثين في مكتبه السابق أول من أمس، لكنهما لم يحضرا. وانتظر هنية في المكتب لمدة ساعة. وقالت الحركة، في بيان: «نأسف للفعل اللامسؤول من قادة فتح ومبعوثي الرئيس عباس. كنا نظن أنهم يسعون إلى المصالحة. وتبيّن أن أهدافهم بعيدة عن ذلك».
في المقابل، قال مسؤول «فتح» في الضفة الغربية إن «ترتيبات اللقاء جاءت متأخرة ولم تستوف متطلبات لقاء من هذا النوع. لذلك اللقاء لم يتم ولن يتم خلال الزيارة الحالية لوفد حركة فتح».
من جهة ثانية، نفت «حماس» أن تكون قد وافقت على استخدام معبر كرم أبو سالم لتنقل الأفراد من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية عبر الأراضي الإسرائيلية. وكانت مصادر مصرية قالت إنه «في غضون الأيام العشرة المقبلة، ننتظر تشغيل معبر كرم أبو سالم المخصص أصلاً للشاحنات التجارية لعبور أهالي القطاع من غزة وإليها في حل مؤقت»، مشيرة إلى علم قيادة «حماس» بالأمر.
وقال المتحدث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، إن «هذا الموضوع مرفوض جملة وتفصيلاً، فضلاً عن أنه لم يكن مطروحاً أصلاً في اللقاءات التي جرت مع المسؤولين المصريين في القاهرة». وأضاف: «لن يكون هناك إلا معبر واحد لانتقال سكان القطاع للعالم الخارجي، وهو معبر رفح. وكما يتابع الجميع، فإن جميع الحالات الإنسانية والمرضية تنتقل عبر معبر رفح»، موضحاً أن ذلك سيستمر إلى «حين توصل اللجنة الثلاثية المكونة من حماس والرئاسة الفلسطينية والطرف الأوروبي إلى اتفاق يضمن فتح المعبر كاملاً».
وفي ما يتعلّق بالتهدئة، شدّد أبو زهري على أن الحركة مصرة على تطبيقها، لكنه استطرد قائلاً إن «حماس» لن تستخدم القوة لإجبار الفصائل الأخرى على الالتزام بالاتفاق.
ويرى دبلوماسيون غربيون أن «الهدنة تعطي دفعة لوضع حماس على حساب الدولة اليهودية وعباس، رغم قول المسؤولين الإسرائيليين إن هدفهم المتعلق بكبح سلطة حماس لم يتغير حتى لو كان وقف إطلاق النار يؤدي الآن إلى تخفيف الحصار الاقتصادي الذي فرض على غزة». وأوضح مسؤول أوروبي رفيع المستوى أن «هذا يعيد حماس إلى موضع السيطرة».
أما اللافت فكان عودة الأحداث الأمنية بخفة إلى الضفة الغربية، إذ أعلن مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن طلاباً يهوداً يمينيين ينتمون إلى إحدى المدارس اللاهوتية، أطلقوا صاروخاً قرب بلدة فلسطينية، إلّا أنهم فشلوا في إصابة الهدف. وأوضحوا أن جنود الاحتلال في المنطقة سمعوا انفجاراً كبيراً، واعتقدوا أن الفلسطينيين هاجموا مستوطنة «يتزهار»، حيث تقع المدرسة.
كما أعلنت أجهزة الإسعاف الإسرائيلية «نجمة داوود»، جرح ثلاثة إسرائيليين برصاص أُطلق من سيارة قرب مستوطنة نيفيه تسوف اليهودية غرب رام الله في شمال الضفة الغربية. وأفاد مصدر عسكري بأن الجيش الإسرائيلي أغلق المنطقة وأقام حواجز لإيقاف السيارات، ويشتبه بأن فلسطينيين يقفون وراء الحادث.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)