«استقلال» بدعم أرمني ورفض أذري... وصراع خفيّ أميركي ــ روسيلا يبدو أن اللقاء التاريخي بين الرئيس الأذري، إلهام علييف، ونظيره الأرميني، سيرج سركسيان، في 6 حزيران الجاري، قد حمل أي تباشير أمل بحلّ مرتقب لمشكلة إقليم ناغورني كاراباخ، المتأزمة بين باكو ويريفان منذ عام 1988، والتي يبدو أنها لا تزال مرشّحة لمواجهة العديد من الاحتمالات
معمر عطوي
لم تفلح الوساطات العديدة خلال السنوات الماضية في إرساء حلّ سلمي نهائي للنزاع بين أرمينيا وأذربيجان حيال إقليم ناغورني كاراباخ. النزاع، الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص من الجانبين بين عامي 1988 و1994، لا يزال مخيماً في سماء هذا الإقليم الذي يجثم في غرفة العناية الفائقة، حيث تتنازع مصالح الدول الكبرى على ثروات بحر قزوين وجواره.
ورغم قرار وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه مجموعة «مينسك»، المنبثقة عن لجنة الأمن والتعاون الأوروبي (أصبحت اليوم منظمة الأمن...) في عام 1994، والتي يتولى رئاستها مندوبون عن روسيا وفرنسا وإسبانيا، استمّر النزاع المُسلّح بمراحل متفاوتة ليؤدّي إلى سقوط أكثر من 100 قتيل.
لقد اندلعت الحرب بين الدولتين القوقازيتين في شباط 1988 على خلفية ادعّاء كل من يريفان وباكو السيادة على إقليم ناغورني كاراباخ الذي كان تحت سيطرة أذربيجان يومها. وخرجت ناغورني كاراباخ، ما عدا محافظتي شوشا وخوجالي، عن السيطرة الآذرية في كانون الأول سنة 1991. وتبعتها في فترة ما بين 1992 و1993، 7 محافظات أخرى مجاورة للإقليم.
ودفع ارتفاع وتيرة العنف بلجنة الأمن والتعاون في أوروبا في صيف عام 1992 إلى إنشاء مجموعة مينسك المؤلفة من 11 دولة من أجل التوسّط في حلّ النزاع. وفي مبادرة دبلوماسية أميركية فاشلة، عُقدت قمة تاريخية في نيسان 2001 في مدينة كي ويست بولاية فلوريدا الأميركية، تحت رعاية المنظمة الأوروبيّة، جمعت الرئيسين السابقين الأرميني روبرت كوتشاريان والأذري حيدر علييف، من دون أن يسفر هذا اللقاء عن نتائج مهمة.
وتكرّر المشهد في 6 حزيران الجاري بين رئيسي البلدين الحاليين، سيرج ساركسيان وإلهام علييف، على هامش اجتماع لوزراء الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي في مدينة ستراسبورغ، بيد أن هذا اللقاء اقتصر على التعارف.
وكان الوسيط الأميركي، ستيفن مان، قد أعلن في 13 شباط 2006، عدم توصّل رئيسي جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان إلى اتّفاق بشأن مصير ناغورني كاراباخ، وذلك بعد يومين من المفاوضات في قلعة رامبولييه جنوب العاصمة الفرنسية باريس. اجتماع نُظّم بوساطة من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا التي شاركت جميعها في المحادثات. وناقش هذا الاجتماع الذي يعدّ الأهم خلال خمسة أعوام قضايا عديدة، أهمها «خروج القوات الأرمينية من الإقليم الأذري» حول كاراباخ وإجراء استفتاء لسكان المنطقة في إطار حق تقرير المصير.
وفي العاشر من كانون الأول عام 2006، جرى الاستفتاء على دستور هذه الجمهورية، التي أعلنت تأسيسها بمعزل عن المجتمع الدولي. وعدّت السلطات في باكو هذا التصويت «مساً بالقانون الدولي». وهدّدت بالحرب لاستعادة السيطرة على الإقليم.
ولم تتمكّن مجموعة مينسك من تحقيق أي إنجاز يذكر على صعيد بلورة حل للأزمة، ولا سيما أن مصالح الدول الاقتصادية وأهمية هذه المنطقة مثّلت عقبة إضافيّة في طريق الحلّ، وخصوصاً بعدما استُبعدت أرمينيا عن خط أنابيب باكو ــــ تبليسي ــــ سيهان، الذي يربط بين أذربيجان وجورجيا وتركيا.
فكما هو معروف أن المنطقة تحوي ثروات طبيعية غنية وإمكانات اقتصادية وصناعية وزراعية كبيرة. هذا الواقع خلق تخوفّاً روسيّاً من سياسة أذربيجان، التي تتحالف مع واشنطن وتسعى إلى دمج اقتصادها في الاقتصاد العالمي.
لقد ساهمت سياسة باكو في بلورة هواجس موسكو من خلال اتفاقات مع دول غربيّة في مجال استغلال حقول النفط والغاز الأذرية. ووقّعت معاهدات ضخمة بشأن الاستغلال المشترك مع «كونسورتيوم» الشركات الدولية، ما يسمى بمعاهدة القرن. فحسب التقديرات الأولية، يتوقع استخراج ٣٥٠ مليون برميل من النفط من تلك الحقول.
الى جانب ذلك، تعدّ أذربيجان دولة مهمة من حيث موقعها الجيوسياسي عالمياً. إذ إنها تقع في ملتقى أوروبا مع آسيا. وتهدف في المستقبل إلى أن تنضم لمنظومة الاتحاد الأوروبي. ومن الطبيعي أن تكون لإيران أيضاً مصالح في تلك المنطقة، ولا سيما أن إيران وأذربيجان تتشاركان ثروات بحر قزوين. ناهيك أن البعد الديموغرافي يجعل المصالح متداخلة بين باكو وطهران، حيث يعيش في إيران قرابة 30 مليون مواطن من القوميّة الأذرية.
بيد أن الاهتمام الإيراني بأرمينيا خلق حالاً من الفتور لدى باكو، وخصوصاً أن الجمهورية الإسلاميّة استطاعت استغلال حاجة يريفان لمصادر الطاقة مثل النفط والغاز. هذه الحاجة دفعت أرمينيا إلى تنفيذ مشاريع طاقة ضخمة مع إيران، مثل خط أنابيب لنقل الغاز وخط ثالث للكهرباء ومحطة كهرومائية ضخمة لتوليد الطاقة الكهربائية على نهر آراكس وغيرها من مشاريع، تعزّزت في ظل وقوف إيران إلى جانب أرمينيا في نزاعها مع أذربيجان.
ثمة عقبة أخرى حالت دون تسوية النزاع، تمثّلت في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي صدر في 14 آذار الماضي، والذي يدعم حق أذربيجان في هذا اللإاقليم، مطالباً الجانب الأرميني بالانسحاب منه.
بناءً على ذلك، تؤكد تطورات الأزمة وتشعباتها، وجود البعد الإقليمي ــــ الدولي للنزاع، الذي تمثله الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق (في ما بعد دولة روسيا الاتحاديّة). ويرى الرئيس الأذري الراحل حيدر علييف «أن الموقف الجائر الذي كانت القيادة السوفياتية تتّخذه تجاه أذربيجان بلا شك، أثار موجة عدم الرضى الكبيرة جداً بين سكان جمهوريتنا ضد النظام الشيوعي السوفياتي. عندما ازداد هذا السخط الشعبي في نهاية سنة ١٩٨٩ ضد جور القيادة الشيوعية للاتحاد السوفياتي تجاه الشعب الأذري، قرّرت الرئاسة السوفياتية (التي كانت تدعم النظام الأرميني آنذاك) كسر إرادة شعبنا من خلال إدخال أعداد كبيرة من الجيوش السوفياتية إلى آذربيجان في ٢٠ كانون الثاني سنة 1990».
في المقابل، تستعرض أرمينيا وجهة نظر أخرى بشأن هذا النزاع، حسب تصريح للرئيس السابق، روبرت كوتشاريان، الذي يقول إن «نقطة النزاع هي بين أذربيجان وناغورني كاراباخ، ثم أقحمت فيها أرمينيا. هذا هو التعريف الأدّق الذي يعطي الصورة الحقيقية للأشياء». ويضيف أن الذي حدث بعد انهيار الامبراطورية السوفياتية أنه «ظهرت في المنطقة دولتان مستقلتان بحسب كل المعايير المتبعة في ذلك الوقت: جمهورية أذربيجان وجمهورية ناغورني كاراباخ، ونحن نعتقد أن قانونية وجود ناغورني كاراباخ كدولة مستقلة غير قابل للتشكيك. كانت هناك محاولة إخضاع هذه الجمهورية لأذربيجان، وبالنتيجة كانت الحرب. هذا هو سبب النزاع الذي يحاول كل طرف تقديمه بأشكال مختلفة».
وبرأي كوتشاريان، أن ناغورني كاراباخ دولة مستقلة، وأنها لم تكن في يوم من الأيام ضمن جمهورية أذربيجان المستقلة، «أنا نفسي ولدت في ناغورني كاراباخ وفي وقت من الأوقات تزعّمت حركة الاستقلال. نحن لن نكون أبداً ضمن أذربيجان المستقلة».