باريس ـ بسّام الطيارةويرى عدد كبير من الفرنسيين أن هذا القرار يشكّل تهديداً مباشراً «للعلمانية التي تعدّ أساس الجمهورية». وانتقد عدد من السياسيين والناشطين هذا القرار الذي «يقحم الدين في مكان علماني ويعتدي عليه».
ويقول أحد أعضاء المجلس البلدي إنّ «الأمر لا يتعدى التجربة الاجتماعية» وهو أتى بعد «وصول عدد من الطلبات من الجمعيات». ورغم رفضه الإفصاح عن «نوعية الجمعيات ومجال نشاطها»، إلا أنه أردف أنّ الخطوة «ترمي إلى تشجيع المهاجرين على الانخراط في الحياة الاجتماعية». ولكن لم يعد خافياً على أحد أن عدة طلبات بهذا الاتجاه قد قدمتها «الجالية المسلمة التركية» كما ذكرت الصحيفة المحلية «لو دوفينه ليبيريه».
وقد أكد أحد أعضاء المجلس البلدي أن «نحو ٥٠ امرأة من مختلف الأعمار والجنسيات» قد حضرن في أول يوم طبق فيه القرار، وأنهن كنّ يرتدين «مايوهات من دون أي إشارة دينية»، مضيفاً أنها خطوة ضروريّة «في اتجاه انصهار المهاجرين والمهاجرات» في الحياة الاجتماعية للبلدة.
كان يمكن أن يمر القرار المذكور كتفصيل في حياة بلدة بعيدة عن العاصمة باريس تقطن فيها جالية تركية مسلمة كبيرة، لولا أنه خرج إلى ساحة الإعلام بعد الموجة التي أثارها قرار حكم الطلاق بين زوجين فرنسيين مسلمين بسبب «فقدان عذرية» الزوجة قبل زواجها.
إلا أنّ هذا القرار لا يبدو منفصلاً عما وصفه أحد السياسيين بـ«الجو العام» الذي يهيمن على العمل الاجتماعي و«الثغرات التي تفتح وتتوسّع كل يوم في سدّ العلمانية»، وهو ما يصبّ مباشرة في مصلحة «تطييف المجتمع الفرنسي».
وقد جاءت خطوة أخرى من بلدة «فينيو» في ضاحية العاصمة لتزيد من «القلق على العلمانية»، إذ إن رئيس البلدية «أعار الملعب البلدي» لدورة «كرة سلة مخصّصة للنساء»، تنظّمها «مجموعة مساجد في البلدات الموجودة في الضواحي الباريسية». وقد هبّت أيضاً عاصفة انتقادات على قرار المسؤول البلدي خصوصاً بعدما تبيّن أن منظمي الدورة قرروا «منع الرجال من الدخول».
وتندرج هذه الخضّات، إلى جانب إقرار قانون لفصل الذكور عن الإناث في المدارس الحكومية، من ضمن سلسلة عمليات التأزّم التي تربط المجتمع الفرنسي بجالياته المسلمة. تجاذب ذهب في اتجاهات متناقضة مثل محاولة فرض «خلع الحجاب» بحجّة احترام العلمانية من جهة، يقابلها تراخٍ في «الفصل الجنسي» الذي يؤسس لفصل بين الطوائف.
وفي السياق، تقول رئيسة جمعية «لا عاهرات ولا خاضعات» سهام حبشي إن «سياسيينا ينظمون الفصل ويشجعون على انكفاء الطوائف»، واصفة هذه الاستراتيجية بأنها «الجنون بعينه».
ويتّفق عدد من المراقبين على أنّ «الذهاب بعيداً في تطييف المجتمع الفرنسي» على المثال البريطاني، يمكن أن يقود إلى نتائج «مرعبة» لكون المجتمع الفرنسي، خلافاً للبريطاني، يقوم على مبدأ «الانصهار في الجمهورية»، وأن العلمانية فيه «تحفظ حق كل فرد بتنظيم معتقده» من دون أن يطاول حرية الآخر ضمن إطر قوانين الجمهورية التي تحفظ هذه الحرية.
ويشير البعض إلى أن «فتح قمقم الحجاب» منذ سنوات بسبب «الجو العام الذي رافق ١١ أيلول والخوف من المسلم»، فتح أبواب التراجع أمام «مطالب تبدو بسيطة» ولكنها تسهم بتفكيك المجتمع الفرنسي.