يتجنّب قادة منظّمة «مجاهدي خلق» الإيرانيّة المعارضة في العراق، الحديث عن الأميركيّين، سلباً أو إيجاباً، وإن كانوا يذكرون أن واشنطن «ظلمتهم»، عندما صنّفتهم في عام 1996 ضمن لائحة «التنظيمات الإرهابيّة». اليوم، وفي مقرّ «تجميعهم» في مدينة أشرف في محافظة ديالى، يبدون واثقين من أنّ القوات الأميركية ستلجأ إليهم قريباً لتغيير النظام في طهران
بغداد ــ زيد الزبيدي

من المفارقات أنّ الولايات المتحدة لم تتعامل بعد الاحتلال مع عناصر «مجاهدي خلق» الموجودين في العراق كـ«إرهابين»، ولم تشنّ أيّة هجمات عليهم، واكتفت بنزع أسلحتهم، وتجميعهم في مدينة «أشرف» في محافظة ديالى، ومنعهم من الخروج منها لأي سبب كان.
و«أشرف» التي أُثيرت حولها ضجة سياسية في الفترة الأخيرة، تقع في نقطة شبه صحراوية، وتخلو حتى من «مسدس» على ما يقولون، وهي محاطة بالأسلاك، وبالقوات الأميركية.
بكلام آخر، المدينة عبارة عن سجن كبير يضمّ زهاء 3500 شخص، معظمهم من المثقفين والتقنيّين المتخرّجين من الجامعات الأوروبية والأميركية أو طلبة فيها. ولعلّ اللافت أيضاً أنّ من بين الموجودين، نسبة كبيرة جداً من النساء، من مهندسات وطبيبات وفنانات وشاعرات، بعضهن في العشرينيات من العمر. أي إنّ الموجودين في مدينة أشرف يغلب عليهم الطابع الثقافي، لا «الإرهابي»، وإن كانوا اضطروا في فترات سابقة إلى مقاتلة نظام يرونه معادياً لهم، كما كانت الأحزاب الحاكمة حالياً في العراق تقاتل النظام السابق عندما كانت موجودة في إيران.
هؤلاء، في رأي أي مراقب محايد، لا يمثّلون خطراً مباشراً، حتى لو كانوا مسلحين، على نظام يفاخر بقوته العسكرية، ولكنهم في الوقت نفسه لهم تأثيرهم الفكري والثقافي والمعنوي على الداخل الإيراني، وهذا التأثير يمكن أن ينبعث من أي مكان على الكرة الأرضية، إلا أنهم ما زالوا متشبّثين بالسجن الكبير، مدينة أشرف.
ولعلّ أبرز ما يلمسه زائر المدينة، هو إصرار الجميع على أنهم ليسوا «منظمة إرهابية»، ومطالبتهم بإلغاء هذه التسمية التي فرضتها ظروف ومساومات سياسية، دفعوا هم ثمنها، ما يعني أنهم ما زالوا «ورقة ضغط»، بالنسبة للجهات التي وضعتهم في لائحة «الإرهاب». تصنيف حصل في عام 1996 لإرضاء إيران والأحزاب العراقية الموالية لها، لتسهيل تعبئتها للحرب ضدّ العراق، وأيضاً عندما قصفت مقرّاتهم ومواقعهم خلال حرب 2003، للغرض نفسه.
لذلك يجمع هؤلاء على أنّ عدوّهم الرئيسي هو النظام الحاكم في إيران، لا أي جهة أخرى «لكي لا تتشعب القضية»، كما يقولون.
وفي لقاءات مع القادة القدماء لمنظمة «مجاهدي خلق»، يشدّدون على أنّ الجانب الأميركي «يظلمهم» بإدراجهم في قائمة الإرهاب، لكنهم لا يتحدثون بعدائية عن هذا الموضوع، وعن قصف القوات الأميركية مواقعهم خلال الحرب، على الرغم من إصدارهم بيانات ورسائل إلى الجهات الدولية، تؤكد حياديتهم في الحرب، وأنهم يركزون في قضيتهم على مقاومة النظام الحاكم في إيران.
وبحسب هؤلاء القادة، فإنّ الجانب الأميركي، مثلما اضطر إلى إدراجهم على لائحة الإرهاب، وقصف مقراتهم، فسيكون مضطراً للتعامل معهم، لأن خياراته في الملف الإيراني محدودة، وأنّ «المجلس الأعلى للمقاومة» الذي تعدّ منظمتهم أحد مكوناته، هو البديل المقبول للنظام الحالي في طهران، ولدى المؤسسات الدولية.
وينفي قادة «مجاهدي خلق» وجود أيّة اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع الجانب الأميركي، الاّ أنهم لا يستبعدون ذلك مستقبلاً، لأنّ الولايات المتحدة ستكون «مضطرة» إلى التواصل معهم.
غير أنّ المراقب «المستقلّ» للأحداث، لا يمكن أن ينفي وجود خيوط غير منظورة للعلاقات حالياً، وإلاّ لكانت الجهات العراقية المرتبطة بإيران، أو ذات الولاءات المزدوجة، فعلت المستحيل للقضاء عليهم.
ويطرح قادة المنظمة موقفاً رافضاً للحرب الأميركية المحتملة على إيران، ويرون أنّ البديل يمكن أن يكون من خلال انتفاضة شعبية، يدعمها «العسكريون الوطنيون»، وإطلاق المنظمة من «الأسر»، ومن «لائحة الإرهاب». لكنهم مع ذلك لا يستبعدون العمل العسكري الأميركي، ويقولون إنهم لن يكونوا طرفاً فيه، لكنهم وضعوا في حساباتهم ما بعد ذلك، وربما يكون هذا الموقف من بين الأسباب التي تضع الجانب الأميركي في خلاف معهم، وأنهم ما زالوا في الحسابات الأميركية على لائحة الإرهاب، من أجل الضغط عليهم.
ويلاحظ القادة المؤسسون للمنظمة الذين التقتهم «الأخبار»، أنّ علاقتهم مع نظام صدام حسين أثّرت عليهم سلباً. كما يشيرون إلى أنهم قاتلوا ضدّ العراق في بداية الحرب الإيرانية ـــ العراقية، حتى السنة الثانية منها، لكنهم عندما أعلنت بغداد رغبتها في وقف الحرب، وانسحب جنودها من الأراضي الإيرانية، أيدوا هذا الموقف، وطالبوا من جهتهم بالموافقة على وقف الحرب التي «لا جدوى من استمرارها سوى المزيد من سفك الدماء». وعندما رفض النظام الإيراني ذلك، وقّع مسعود رجوي ممثل «مجاهدي خلق» مع النائب الأسبق لرئيس الحكومة العراقية طارق عزيز على «اتفاقية سلام بين الشعبين العراقي والإيراني».
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن «استمرار الحرب كان مصدر قوة للنظام الإيراني، لكي يمارس أقسى أنواع الدكتاتورية والتسلط والقمع، بحجة أنّ البلاد في حالة حرب، وأن أي صوت معارض يوضع في لائحة الخيانة العظمى، بمعنى أنّ نظام الملالي استغل حالة الحرب لكي يثبّت أوضاعه، كما يستغل حالياً التهديدات الأميركية للغرض نفسه».
ويؤكد مسؤولو المنظمة أنهم الآن محميّون بالأساس من عشائر ديالى، الشيعية والسنية منها، كما تربطهم علاقات وثيقة بالشخصيات الاجتماعية والوجوه العشائرية في الجنوب والوسط العراقيين، ولهذا أصبحوا عامل ربط ومصالحة وطنية؛ فهم من جهة، محسوبون على «الشيعة»، ومن جهة أخرى ينظر إليهم العرب السنّة على أنهم غير متطرفين دينياً، كما تنظر إليهم بعض فصائل المقاومة «السنّية» على أنهم معادون لأعدائها المدعومين من إيران.


العراق: بدء حملة «نهر الخير» في ديالى
بغداد ــ الأخبار
يمضي رئيس الوزراء نوري المالكي أيامه في الفترة الأخيرة متنقّلاً بين محافظات بلاده، معلناً انتهاء حملة أمنية هنا وانطلاق أخرى هناك. أمس، حضر إلى ميسان جنوباً، التي تشهد حملة «بشائر السلام»، ليعلن شنّ عملية جديدة على محافظة ديالى التي تمثّل حصن «القاعدة» في بلاد الرافدين. وقال المالكي، في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، خلال كلمة له في مؤتمر لعشائر ووجهاء المحافظة، «غداً سوف نكمل مسيرتنا في ديالى، ثم سنكمل عملياتنا المظفّرة في محافظة الموصل». وأضاف «سنكمل ملاحقة ما بقي من عناصر القاعدة المهزومة، وأتباع النظام السابق، الميليشيات والخارجين عن القانون». وكانت محافظة ديالى قد شهدت أمس قصفاً بالهاون استهدف تجمّعاً لقوات «الصحوة»، وأدى إلى مقتل عشرة أشخاص وإصابة عشرين بجروح، غداة تفجير انتحاري في مركز المحافظة في بعقوبة أودى بحياة 16 عراقياً.
وكشف مصدر أمني في شرطة ديالى عن أن العملية العسكرية في المحافظة انطلقت أمس بالفعل، تحت اسم «نهر الخير» في قرى ناحية بني سعد جنوب غرب بعقوبة. في هذا الوقت، أعلنت الشرطة العراقية اعتقال 75 شخصاً في ميسان منذ بدء «بشائر السلام»، بينهم عشرون شرطياً أوقفوا بتهمة التعامل مع الميليشيات.
واعترف جيش الاحتلال بمقتل جندي أميركي وجرح ستة آخرين جنوبي بغداد.