أرنست خوريإنّها مسألة قبرص مجدّداً. الجزيرة المقسّمة منذ 34 عاماً موضع اهتمام الجميع، في أوروبا وتركيا والمؤسسات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، وطبعاً، أهل القضيّة، القبارصة، الأتراك واليونانيّين منهم.
آخر التقارير «المحايدة» صدر أمس عن «مجموعة الأزمات الدولية» التي تأخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقراً لها، وهي معروفة بأنها أحد أهم مراكز الدراسات والأبحاث التي ترصد تطوّر المسائل الإشكالية في العالم.
تقرير جاء معزّزاً بالاقتراحات للأطراف التركية والقبرصية. ورغم أنه جاء تحت عنوان متفائل: «إعادة توحيد قبرص: الفرصة الأفضل حتّى الآن» (نصّه متوافر على موقع المجموعة www.crisisgroup.org)، فقد أضاء على مجموعة من النقاط التي يمكن وصفها بأنها واقعية لشدّة تشاؤمها.
يلاحظ قارئ النصّ أنّه مليء بالأداة الشرطيّة «إذا». باختصار، يقول معدّوه لمن يهمّهم الأمر: أمامكم عام واحد فقط (قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في الشقّ التركي) لتعيدوا توحيد جزيرتكم، وإن لم يستطع ديميتري كريستوفياس ومحمد علي طلعت ذلك، فلن يتمكّن غيرهما من هذا الإنجاز يوماً.
أكثر من ذلك، أسرعوا في إطلاق مبادرات حسن النيّة، كلّ من طرفه، قبل موعد صدور حكم المحكمة الدستورية التركيّة في دعوى حظر الحزب التركي الحاكم «العدالة والتنمية».
التفاؤل الذي سيطر على المهتمّين بقضيّة إعادة توحيد الجزيرة عقب وصول «الراغبين بالتوحيد» من الطرفين، طلعت وكريستوفياس، لا شكّ أنّ مدّته محدودة. كثر يرون أنّ إشارات موته بدأت تظهر قبل الأوان؛ منذ أن نشرت الصحف التركيّة تقارير تشير إلى عرقلة نيقوسيا المفاوضات التركية ــ الأوروبية، ومنذ أن طالب الرئيس الشيوعي القبرصي أنقرة بسحب نصف عديد جيشها من قبرص التركيّة قبل انطلاق المفاوضات السريعة للتوحيد.
غير أنّ «الأزمات الدولية» لم تتوقّف عند المحطّتين اللتين أنذرتا بعرقلة المسيرة الوحدوية. لكن تقريرها توقّف عند ما هو أخطر من ذلك. فالرئيسان القبرصيّان أعادا في 21 أذار الماضي افتتاح معبر ليدرا الذي يفصل الشقّين في العاصمة نيقوسيا المقسّمة بدورها. ثمّ أطلقا في أيار آلية لتسريع الإجراءات الوحدوية. وكشف التقرير في السياق أنّ الرئيسين سيجتمعان في الأول من تموز المقبل، حيث يُتوقَّع أن يوقّعا على مجموعة إجراءات لتوحيد السياسات الصحيّة وإجراءات الحماية على الطرقات والسياسات البيئية في «البلدين». الأهمّ أنّ الأول من أيلول المقبل يجب أن يكون موعداً لتوقيع اتفاق المفاوضات الكاملة بشأن الوحدة. وهو تاريخ يجب أن يُحترَم لـ«توريط» الجانبين فيه، إذا تغيّرت النخب الحاكمة في كل من قبرص التركية وقبرص اليونانية وتركيا واليونان.
لكن كل هذا لا يكفي، ففي منتصف عام 2009 المقبل، ستبدأ الحملات الانتخابية في قبرص التركيّة، حيث يُخشى أن يتلقّى طلعت ضربة انتخابية قويّة، نتيجة عجزه عن تحقيق تقدّم في المسار القبرصي. كذلك يُخشى أن يكون لتركيا، إذا حُظر الحزب الحاكم وحلّ محلّه ممثلو «الإستابليشمنت» العلماني العسكري، مصلحة في عرقلة وصول وحدويين إلى السلطة في عام 2010، وبالتالي، يصل التقرير إلى الإنذار: «إذا عجز طلعت وكريستوفياس، فلن يتمكّن بعدها أحد من حلّ المسألة القبرصية».
ولأنّ قبرص المقسّمة، تمثّل واحداً من المواضيع الرئيسية التي تعرقل أو تسرّع المفاوضات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي بشأن عضوية تركيا، فإنّ التقرير يلحظ أنّ المعضلة الرئيسية لا تزال تُختَصَر بأنّ أنقرة تتعامل انطلاقاً من أنّ قبرص ورقة قوة بيدها، وبالتالي فإنّ تقديم تنازلات في سياق توحيدها لن يحصل إلا في مقابل تسريع للمفاوضات مع أوروبا بشأن الملفات الـ 35 العالقة. كذلك، فإنّ أوروبا تفترض العكس، إذ إن على تركيا تقديم تنازلات بشأن قبرص، لتكون مجرد علامات حسن نية لتشجيع المفاوضات الأوروبيّة.
وكأنّ التقرير أخذ طرف الموقف القبرصي اليوناني عندما صوّر مصير الجزء التركي من قبرص أسود إذا لم يطرأ إنجاز قريب. فبعد الأزمة التي سبّبها إعلان كوسوفو لاستقلاله، «لن يكون هناك استعداد أوروبي كبير لاعتراف باستقلال القبارصة الأتراك».