رهانه على «المصالحة» والاقتصـاد والأمن... وصحّته نقطة ضعفه الكبرى
الجزائر ـــ حياة خالدكان يمكن خبر التعديل الوزاري أن يكون عادياً لولا أنّ الخطوة تندرج، على ما رآه العديد من المراقبين، في خانة التحضيرات البوتفليقية لتولّي رئاسة البلاد للمرة الثالثة. أكثر من ذلك، فإنّ البعض رأى أنّ تعيين أويحيى للمرة الثالثة كرئيس للوزارة، وهو الذي عمل كممثّل شخصي للرئيس، يعني أولاً أن بوتفليقة يسعى لتقوية نفسه قبل الإقدام على خطوات تمهيديّة للتجديد والتمديد، في مقدّمتها تعديل الدستور.
وخطوة تعيين أويحيى أبعدته عملياً عن صفته كأبرز منافس محتَمَل للرئيس، نظراً للنفوذ الكبير الذي يتمتّع به. كما أنّ وفاء أويحيى للعهد سارع إلى إظهاره عندما أكّد أنّه سيسعى إلى تطبيق برنامج الرئيس والسير على النهج نفسه، مع ما يثيره هذا التعهّد من مخاوف عند الشعب الجزائري، لأنّ خصخصة مرافق الدولة ستكون في مقدمة جدول أعماله.
وبعيداً عن خبر التعيين، دخلت الأحزاب المعارضة في حالة خمول منذ فترة، وكأنها تستسلم لحتمية التمديد. خمول لا يقلل من أثره تحفّظ القليل من هذه الأحزاب على «حلم» بوتفليقة. على كلّ حال، فإنّ معظم الأحزاب والتنظيمات ضمت أصواتها إلى مؤسسات المجتمع المدني المدعومة من أحزاب السلطة، وراحت تهلّل وتصفّق وتطالب بإلحاح بتغيير الدستور لتعديل المادة المحدّدة التي تسمح بتولّي الرئيس لولاية ثالثة.
هكذا يبدو أنّ بوتفليقة أصبح وحده على ساحة المرشّحين، فهو الخصم والحكم و«البطل» في الوقت نفسه.
وعوض أن يكون هو من يترقب مواقف الساسة ليدري ما إذا كان مرغوباً فيه للبقاء في القصر الرئاسي أم لا، يحصل العكس تماماً، بما أنّ الساحة السياسية هي التي باتت تنتظر إشارة منه للشروع في تغيير الدستور، نقطة العبور الوحيدة.
لكن بوتفليقة لا يزال يلتزم الصمت في الوقت الراهن ولم يعاود الحديث عن قضية تعديل الدستور منذ صيف 2006، حين أكد أن الدستور الحالي قد تجاوزه الزمن ولم يعد يتماشى والمعطيات، لأنه يعود إلى فترة التسعينيات المضطربة.
والمتتبّع للتطوّرات اليومية في البلاد، يجدها تصبّ في خندق واحد، هو المساندة المطلقة لبوتفليقة ظالماً كان أو مظلوماً، حتى إنّ الأدبيات والتصريحات اليومية تهاجم كل من يخرج عن هذا الخط، وهم قلة قليلة على أي حال.
المنافسة غير واردة، وكل من يقف أمام بوتفليقة مهدّد بأن يصبح «أرنباً» له مثلما حصل في انتخابات العهد الثاني عام 2004، عندما دحر بوتفليقة كل منافسيه، وهو سيناريو مشابه عرفته الدورة الأولى عام 1999، تاريخ عودة الرجل من المنفى.
ولأنّه غادر الجزائر بعد فترة قصيرة من وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، فقد تعلّم على يديه فنون السياسة وكيفية التعامل مع دهاليز السلطة. فبعد سنين المنفى، عاد ومعه فكر بومدين وتكتيكه الذي بقي راسخاً في الذاكرة الجزائرية، ما صوّره في عقول المواطنين خليفة له.
معطيات أخرى تجعل من الرجل الرابح الأكبر والفارس الوحيد في الميدان الانتخابي في انتخابات العام المقبل؛ فالبعض يرى أنّ الرئيس حوّل الجزائر «ورشة اقتصادية» بعدما كانت ورشة دمار وخراب.
الورقة الأخرى التي لعبها بوتفليقة وكانت رابحة أيضاً بنظر أنصاره، هي «المصالحة الوطنية»، رغم ما تحمله في طياتها من غموض، لأنه سن قانون السلم والمصالحة الذي لم يكتفِ بفتح الباب أمام «توبة الإرهابيين»، بل أعطاهم امتيازات وتعويضات كبيرة.
أمنياً، رصيد بوتفليقة أعطاه نقاطاً لمصلحته. فرغم موجة التفجيرات الأخيرة، فإن الأكيد أنّها تراجعت مقارنة بفترة التسعينيات. وبحسب المحللين، يعود التحسّن النسبي إلى «المصالحة الوطنية» من جهة، وعامل الشمولية الذي أصبحت تعتمده الجماعات المسلحة، إذ راحت تتوسع في البلدان المجاورة في المغرب العربي بدل التمركز حصراً في الجزائر.
وتبقى الورقة الأخيرة، وهي صحة الرئيس. فهل هو قادر على مواصلة المشوار؟
بوتفليقة نفسه اعترف بأنه كان مريضاً وخضع لفترة نقاهة طويلة، غير أنه أراد إسكات المشكّكين بقدرته الجسدية عندما قال «إنني رجل عادي أمرض وأتماثل للشفاء، والآن قد شفيت ولا داعي لتوظيف مرضي سياسياً». تصريح يعتقد أنصار النظام أنّه كافٍ لإزالة المخاوف التي تحوم حول مرض الرئيس، غير أنّ السؤال يبقى واحداً: لماذا يترك بوتفليقة الإثارة بشأن ترشيح نفسه لولاية ثالثة، ولم يبقَ أمامه سوى أقل من عام يفصله عن موعد الحسم؟