أرنست خوريوغولن يُحاكم غيابياً منذ عام 2000 (لكونه يعيش منذ عشر سنوات في منفاه الاختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية) بتهم «إرهابية». عدد كبير من التهم وجّهها إليه القضاء وتحديداً صاحب دعوى حظر «العدالة والتنمية» المدعي العام عبد الرحمن يالتشينكايا. قضايا تراوح بين تمويله أحزاباً إسلاميّة ووسائل إعلام مقرّبة منها إلى «أم التهم» وهي خلق منظّمة سرية داخل المؤسسات الحكومية والشرطة للتحضير لانقلاب إسلامي على النظام العلماني.
قد يكون أهم ما في حكم التبرئة الذي أصدرته الهيئة الجرمية للمحكمة العليا للاستئناف، وهي أعلى سلطة قضائية جنائية في البلاد، أنّه منع إعادة محاكمة غولن مستقبلاً في قضايا شبيهة للتي حُكم فيها. أكثر من ذلك، فقد ورد في نصّ الحكم ما مفاده تقدير لجهود غولن وللمؤسسات التي أسسها.
الخبر تصدّر طبعاً الصفحات الأولى للصحف التركية على اختلاف توجهاتها السياسية. فالرجل، وهو واحد من بين أهم 20 مفكّراً في العالم، بحسب تصنيف مجلة «فورين بوليسي»، يُنظَر إليه على أنه صانع النخب الإسلامية المنفتحة في أنقرة، ومرشدها الروحي ومموّل أنشطتها ومؤسساتها، والمستفيدين من خدماته الإنسانية والاقتصادية والأكاديمية يفوق عددهم الـ100 ألف موزّعين على القارات الخمس.
أمّا أبرز النقاط التي باتت تشغل متابعي قضية غولن اليوم، فهي احتمال عودته إلى بلاده. احتمال قلّل من حظوظه رئيس جمعية الكتّاب والصحافيين (غولن رئيسها الفخري) هارون توكاك نظراً إلى الوضع الصحي الدقيق الذي يمرّ به غولن.
ستبقى تبرئة غولن محطّة رئيسية في الكباش الحاصل بين العلمانيين والإسلاميين. والرصيد الذي أضافه الرجل في معركته مع القضاء كبير معنوياً، فهو رفض سابقاً عرض المحكمة العفو عنه وطلب إدانته إذا تبيّن أنه مذنب.
سلوك رجب طيب أردوغان يبدو مشابهاً نوعاً ما في قضية حظر حزبه ومنعه من مزاولة العمل السياسي. فهو فضّل عدم مَنْع المحكمة الدستورية من النظر بالقضية عبر انتزاع صلاحياتها بتعديل دستوري، وفضّل ترك المجال للقضاء ليقول كلمته.
تفصيل ليس ببسيط يفصل بين القضيّتين: غولن يعيش في النعيم الأميركي ويُحاكم غيابياً، أما أردوغان ورجاله، فهم في بلادهم ومعرّضون لأحكام القضاء التي تُنَفَّذ حضورياً.