أرنست خوريحقّق عهده الوزاري نموّاً اقتصادياً متواصلاً، حتّى بات الأكثر شعبية في حزب العمّال. حكايته مع السلطة غريبة. صفة المنقذ التي وصل على صهوتها إلى شارع 10 داونينغ ستريت في لندن، لم تعمّر أكثر من أسابيع. باختصار، فإنّ نتيجة تقويم هادئ لعامه الأول، تظهر أنّه كسر الرقم القياسي في فترة قياسيّة، لنسبة اللاشعبية التي تمتّع بها رئيس وزراء بريطاني في التاريخ المعاصر للبلاد، تحديداً منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تقويم حكم براون، «العمّالي الجديد»، لا بد أن يتناول الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن بما أنّ الدول «الديموقراطيّة» تعتمد مبدأ استطلاع الرأي معياراً أساساً لقياس الرضى الشعبي عن شخص أو عهد، فإنّ لهذه الاستطلاعات التي تخلّلت حكم براون أهمية بالغة الدلالة. صحيفة «غارديان» خصّصت يوم أمس دراسة مستفيضة قارنت بين نتائج الاستطلاعات التي أُجريَت في أول عهد الرجل، وتلك التي نُظّم آخرها أول من أمس.
النتيجة لا تحتاج إلى تحليل: يوم الأربعاء الماضي، تبين أنّ حزب براون (العمال) لم يعد يحظى بالنيّة الانتخابية إلا لـ25 في المئة من البريطانيين، في مقابل 45 في المئة لحزب المحافظين بزعامة ديفيد كامرون. بينما كانت النسبة يوم تولّى الحكومة قبل عام، 39 في المئة من نيّات التصويت لمصلحة «العمال» و18 في المئة لمصلحة المحافظين. هي من دون تعليق، أسوأ نتيجة يحققها «العمال» منذ عام 1984.
يجمع المتابعون على أنّ حادثة مركزيّة قضت على الصورة الإيجابية لبراون في عقول مواطنيه: هي قضيّة الانتخابات العامة المبكرة التي تعهّد إجراءها في الخريف الماضي، قبل أن يعود في غضون أيام ليعلن إلغاء المشروع، عندما تبيّن له أنّ حزبه «سينقرض» إذا حصلت الانتخابات في التاريخ المحدَّد.
خطأ، أو خطيئة من النوع الذي يودي بمقترفها إلى اعتزال العمل السياسي في أوروبا. لكن براون بقي، وضحّى بعدد من مساعديه ومستشاريه، وراح يحاول تصحيح الخطأ بأخطاء جديدة.
اقتصادياً، لم يستطع نيل لا رضى المتموّلين وأصحاب المليارات، ولا عامّة الشعب. 3 إصلاحات ضريبية أقدم عليها كانت كفيلة برمي ما بقي له من شعبية. كما أنّ تأخره في تأميم مصرف «نورثرن روك» بعد إفلاسه نتيجة تقديمه المسرف للقروض التي تحمل مخاطر عالية، أثار ضدّه صغار المقترضين وكبار المقرضين.
أكثر من ذلك، فقد اعترف أحد المقربين من رئيس الوزراء، وزير الشؤون الأوروبية في حكومة بلير، والنائب العمالي الحال دينيس ماكشاين، بأنّ عهد براون عرف انعطافة اقتصادية كارثية، مع تراجع النموّ وارتفاع التضخّم. طبعاً ماكشاين يعيد الأسباب إلى الظروف الموضوعية التي تضرب الاقتصادات العالمية المأزومة، لكنّ هذا التبرير لا يعني شيئاً لمواطن شعر بأنه تعرّض لعملية كذب من جانب براون، ليس في الانتخابات المبكرة والاقتصاد فحسب، بل في العراق أيضاً.
تعهّد الرجل سحب جنوده نهائيّاً من بلاد الرافدين في غضون عيد الميلاد عند المسيحيين (25 كانون الأول) كمعايدة للبريطانيين الرافضين لاستمرار الاحتلال، قبل أن يعود عن قراره ويؤجّل الانسحاب.
عند حلوله مكان بلير قبل عام، عنونت الـ «فاينانشال تايمز» افتتاحيتها بـ «غوردن الجيّد». لم تكن الصحيفة وحيدة في تفاؤلها، لكن براون اليوم لن يتمكّن على الأرجح من إقناع القيّمين على النشرة الداخليّة لحزب العمّال سوى بعنونة «أكثر رئيس وزراء مكروه شعبياً منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية» لتذكير الناس أنّه سيستمرّ في حكمهم لأربع سنوات مقبلة.