لم يحظَ إضراب أيار في مصر، أمس، بالزخم نفسه لتحرك 6 و7 نيسان، بعدما أخذت السلطة السياسية احتياطاتها، ودخل عليه عنصر «الإخوان المسلمين» ليضفي طابعاً سياسيّاً على تحرّك معيشي، ما مثّل ضربة للجماعة الإسلامية التي يبدو أنها لم تعد قادرة على تحريك الشارع
القاهرة ــ وائل عبد الفتاح

شهدت مصر أمس يوماً من أيامها السياسية الغريبة، بعدما سيطرت الأجواء الغائمة، في أعقاب فشل إضراب مجموعة «الفيس بوك»، الذي استعملته أجهزة نظام الرئيس حسني مبارك لتوجيه رسائلها عبر ٣ مدن.
الأولى المحلة الكبرى، التي تحولت مع ساعات الصباح إلى ثكنة عسكرية ومدينة أشباح. وقال شهود عيان إن المشهد في الشوارع كان أقرب إلى حالة «حظر التجوال». وعاشت المدينة حالاً من القلق مع انتشار قوات الأمن المركزي بأعداد غير مسبوقة، وأغلقت منافذ المدينة ورفضت الفنادق استقبال الصحافيين بتعليمات أمنية. كما شددت قيادات الشرطة المحلية على أصحاب المحال التجارية حظر تعليق اللافتات السوداء وقامت بحملة اعتقال عشوائية لتعلن سيطرتها الأمنية بشكل مبالغ فيه.
وفي القاهرة، اختفى اللون الأسود أيضاً ليؤكد فشل الإضراب، الذي دُعي إليه ليوافق الذكرى الثمانين لميلاد الرئيس حسني مبارك. وتردّدت أنباء عن اعتقال صاحب مصنع ملابس صودرت من عنده مئات القمصان السوداء، قال إنها «معدّة للتصدير». وعلى عكس ما حدث في إضراب 6 و7 نيسان، شهدت شوارع العاصمة ازدحامها العادي، كما تدفّق المصريون إلى مدارسهم ومقارّ أعمالهم بشكل طبيعي، ولم تظهر أي مؤشرات إلى بقاء المواطنين في منازلهم. وتركزت الكثافة الأمنية في قلب العاصمة، وخصوصاً حول دار القضاء العالي ونقابة المحامين التي اقتحمتها فرق الكاراتية عندما قررت مجموعة من الناشطين تنظيم وقفة احتجاجية.
لكن الرسالة القوية كانت من مدينة السادات، حيث نقلت كاميرات التلفزيون الرسمي تفاصيل زيارة تفقدية قام بها مبارك لمصانع المدينة التي تقع قريباً من مسقط رأسه في محافظة المنوفية. الرسالة رأى المراقبون أنّها شكل من أشكال التحدي للإضراب واحتفال بعيد ميلاد الرئيس وسط تجمعات عمالية، وأن الزيارة تحمل معاني سياسية بعد خطوة الإعلان عن علاوة الـ٣٠ في المئة خلال خطبة عيد العمال الأخيرة، التي كانت الضربة الحاسمة للإضراب، الذي هاجمته الأحزاب الرسمية جميعها باعتباره «ترويجاً للبلبلة والفوضى».
واللافت أن إضراب أيار فشل رغم إعلان «الإخوان المسلمين» المشاركة فيه قبل أيام قليلة من موعده، وهو ما يعدّ إشارة إلى فشل أكبر جماعة معارضة سياسية في تنظيم فعاليات سياسية ضد النظام. ويذهب بعض المراقبين إلى أبعد من ذلك، ويحمّلون مشاركة «الإخوان» السبب في فشل الإضراب الذي دعت إليه في الأساس قوى يمكن تسميتها بالمعارضة الجديدة غير المنظّمة تقريباً ويجمعها رفض النظام والمعارضة معاً، وإن افتقدت الخبرات التنظيمية.
الشعور بالانتصار دفع الصحف الحكومية إلى استعادة أشكال قديمة في الاحتفال بعيد ميلاد مبارك. ولوحظت المبالغة في الاحتفاء وصدرت «الأهرام»، المعروفة بوقارها، بمقال لرئيس التحرير تحت عنوان «يوم أن ولدت مصر من جديد». وأول من أمس نشرت «أخبار اليوم»، أوسع الصحف المصرية انتشاراً، مانشيتاً يقول: «ليه بحبك يا ريس».
هذه الاستعادة تشير إلى أن أجهزة نظام مبارك استعدت بشكل قوي لمواجهة إضراب أمس بعدما فوجئت بإضراب نيسان، بينما ارتبكت حركة «شباب الفيس بوك»، التي قدمت حلولاً مبتكرة استطاعت في الإضراب السابق أن تلمس أسلاكاً عارية في أوساط العمال وآلاف المتضررين من ارتفاع الأسعار وتدهور الأجور. لكن إجراءات نظام مبارك هدّأت من الغضب الشعبي.
ولا يرى المراقبون أن فشل إضراب أيار هو نهاية غضب «مجموعات الفيس بوك»، لكنه يضعها أمام محكّ وعي جديد أبعد من الغضب. ويشيرون إلى أن ما حدث أمس هو إعلان هزيمة كاملة للتيارات السياسية القديمة، وفي مقدمتها «الإخوان المسلمون»، في قيادة الشارع المصري ضد نظام مبارك، وأن الأجواء مهيّئة الآن لإفراز تيارات وقيادات جديدة تخرج من بين الأجواء الغائمة.