أدخلت الفضيحة الجديدة «الجدّية والخطيرة» التي تعرّض لها رئيس الوزراء إيهود أولمرت، الساحة الإسرائيلية في حالة من الهستيريا والصدمة، وطرحت علامات استفهام قوية بشأن مستقبله السياسي. كما أطلقت حالة من التريّث والترقّب إزاء مصير الحكومة
علي حيدر

كشفت مصادر إسرائيلية مطّلعة، أمس، عن أن التحقيق الذي أجري مع رئيس الوزراء إيهود أولمرت، الجمعة الماضي، لم يبدد الشبهات حوله. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن الشرطة الإسرائيلية تأكيدها «أن بحوزتها أدلة دامغة ضد أولمرت، وتتعلق بارتكابه مخالفات جنائية».
وتعبيراً عن مدى دقة وخطورة التهم الجديدة، «قررت قيادة الشرطة تسريع التحقيق قدر المستطاع»، انطلاقاً من خشيتها من حصول تشويش على مجرى التحقيق وتنسيق الأقوال بين المشتبه فيهم. وأكدت الشرطة، وفق الإذاعة الإسرائيلية، «أنها على قناعة بأن لديها مؤشرات قوية على تورّط رئيس الحكومة».
وبرّر المفوّض العام للشرطة الإسرائيلية، دافيد كوهين، فرض حظر النشر على القضية الجديدة التي يُحقق فيها مع أولمرت، بأن «مصلحة التحقيق تقف فوق مصلحة الجمهور بالمعرفة، وأنا أعرف عمّا أتكلّم، ويجب منح طاقم التحقيق حيّزاً للعمل».
وفيما يخضع أولمرت للتحقيق في ثلاثة ملفات أخرى، وصفت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي تهم الفساد الجديدة التي تستجوبه الشرطة بخصوصها بأنها «خطيرة». وكشفت بعض التسريبات عن مجريات التحقيق، أن القضية تتعلّق بمخالفات مالية
على صلة بالاستجواب الذي خضعت له خلال الأيام الماضية المديرة السابقة لمكتب أولمرت، شولا زاكن، التي تعدّ من أكثر المقرّبين إليه، والتي فرضت عليها الإقامة الجبرية في منزلها، بعد أن احتفظت بحقّها في الصمت أثناء التحقيق.
يشار إلى أن زاكين أقيلت من منصبها قبل سنة بعد اتهامها بسلسلة مخالفات تتعلق بقضية «سلطة الضرائب»، حيث عملت، بحسب الشبهات، على تعيين مقرّبين إليها في مناصب رفيعة. وقد عادت أخيراً للعمل في مكتب أولمرت، ولكن ليس في منصبها السابق كمديرة لمكتبه، رغم أن المحققين أعلنوا أنهم بلوروا أدلة كافية لمحاكمتها في قضية «سلطة الضرائب».
وفيما يتزامن الإعلان عن هذه القضية مع الاستعدادت لاحتفالات الذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل، عنونت صحيفة «معاريف» صدر صفحتها الأولى، أمس، «قد تكون هذه النهاية» لأولمرت. ونقلت الصحيفة نفسها عن «أحد محبّي أولمرت» قوله «إن رئيس الوزراء تلقّى من الشرطة ومن النيابة العامة، في نهاية الأسبوع الماضي، معاملة زعيم منظمة جريمة خطير» .
وفي السياق، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن التحقيقات المتعددة جرّدت أولمرت من «السلطة المعنوية ومن الاحترام اللذين يفترضهما منصبه»، وأن الشبهة تدور حول «أن أولمرت تلقّى، لفترة طويلة، رشى مالية كبيرة من رجل أعمال أميركي يمارس نشاطاً في إسرائيل»، في مرحلة ما قبل تولّيه رئاسة الوزراء عام 2006، ولم تعلم بها الشرطة إلا أخيراً.
ورأى معلّقون إسرائيليون أن الكشف عن تفاصيل القضية سيطلق موجة من الاحتجاج الشعبي، من شأنها أن تؤدي إلى اهتزاز المؤسسة السياسية وإسقاط الحكومة، فيما تحدث معلّقون آخرون عن شكوك بدأت تنتاب أوساط الحكومة والأحزاب المشاركة فيها في شأن مصيرها واحتمال اقتراب نهايتها.
ونقلت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر قضائية قولها إن أولمرت قد يرغم على الاستقالة إذا تأكدت الظنون. كما أكد أحد كبار المحامين الإسرائيليين من أصدقاء أولمرت، رامي كسبي، أنه إذا تقرّر تقديم لائحة اتهام بحق رئيس الوزراء، فإنه سيُقدّم استقالته، على الرغم من أن القانون لا يلزمه ذلك.
في المقابل، أعلن المستشار القضائي للحكومة، المدّعي العام مناحيم مزوز، أنه ليس في وارد الطلب من رئيس الوزراء أن يعلّق مهماته في المرحلة الحالية من التحقيق.
وكتعبير عن مدى الضغوط التي يتعرض لها أولمرت، بفعل التهم الجنائية الجديدة بحقّه، ألغى أمس اللقاءات المرتقبة مع كبرى وسائل الإعلام الإسرائيلية لمناسبة «يوم الاستقلال». وأكد، خلال افتتاح جلسة مجلس الوزراء، أنه «تعاون مع المحققين، وأجاب عن كل أسئلتهم»، معرباً عن أسفه لأن التكتّم الذي فرضه القضاء على التحقيق بطلب من الشرطة شجّع على انتشار «الشائعات».
وأطلق التحقيق الجديد مع أولمرت موجة واسعة من الإرباك في الحلبة السياسية الإسرائيلية، راوحت بين التريّث بانتظار ما سينتهي إليه التحقيق والمطالبة بحل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وفيما فضّل أعضاء الكنيست من حزب «كديما» التزام الصمت علناً، أقرّ بعضهم، في تصريحات غير منسوبة، بأن ما يحصل يُعدّ «ضربة مؤلمة للحزب الذي كان قد بدأ ينتعش في استطلاعات الرأي، في أعقاب شبه الانهيار الذي تعرّض له جرّاء تقرير فينوغراد».
أما في حزب «العمل»، الشريك الأكبر لـ«كديما» في الحكومة، فقد ولّدت الشبهات الجديدة حول أولمرت حالة من التأهّب، تحسّباً لأي تطورات قد يحملها ملف التحقيقات. وفيما سارع رئيس الحزب، إيهود باراك، إلى نفي الأنباء التي تحدثت عن إجرائه مشاورات بشأن التداعيات السياسية للتحقيق مع رئيس الحكومة، رأى مسؤولون كبار في الحزب أن ما يحصل «يبدو مثل بداية النهاية لحكومة أولمرت». إلّا أن المسؤولين أنفسهم استبعدوا أن تقود استقالة أولمرت من رئاسة الحكومة إلى انتخابات مبكرة، مشيرين إلى أنه قد يكون من الأفضل بالنسبة إلى حزب «العمل» تأليف حكومة جديدة برئاسة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني أو شخص آخر من «كديما». ودعا أعضاء في كتلة الحزب إلى التريّث وعدم التعليق على ما يحصل لأنه «إن كان أولمرت متورطاً، فهو متورط، ولن يفيد صراخنا شيئاً». وقال عضو الكنيست عن الحزب، أوفير بينيس، إن حزب «العمل» «لا يُعِدّ السلالم (للخروج من الحكومة)، وهو ينتظر تفاصيل التحقيق».
من جهته، بدأ حزب الليكود باتخاذ خطوات عملية لإسقاط حكومة أولمرت. وأعلن عضو الكنيست عن الحزب، سيلفان شالوم، أنه بادر إلى سلسلة من الاتصالات بالكتل البرلمانية لجمع موافقة غالبية أعضاء الكنيست على مشروع قانون أعدّه لحل الكنيست والتوجّه إلى انتخابات مبكرة، وذلك بمجرد افتتاح الدورة الصيفية للكنيست بعد نحو عشرة أيام.
وتوقع رئيس كتلة الليكود في الكنيست، جدعون ساعر، أن يضطر باراك في الفترة القريبة المقبلة إلى اتخاذ قرار بالانسحاب من الحكومة، ما يعني سقوطها.
بدوره، دعا رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، إلى تقديم موعد الانتخابات، مشيراً إلى أن عدم الاستقرار السياسي واقترانه بعدم الاستقرار الأمني يولّد وضعاً خطيراً على إسرائيل. وطلب ليبرمان من رئيس الكتلة البرلمانية لحزبه، روبرت إيلاطوف، الشروع بإجراء اتصالات مع رؤساء الكتل الأخرى من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن تحديد موعد جديد للانتخابات في شهر أيلول المقبل.
بدوره، دعا رئيس حزب «ميرتس»، حاييم أورون، إلى تسريع التحقيقات مع أولمرت، لكنه شدد على أن رئيس حكومة مشتبه فيه بمخالفات تتعلق برشى، لا يمكنه تحقيق سلام.
وقال أورون إنه ستكون هناك حاجة لأن يُتخذ قرار بالتوجه إلى انتخابات مبكرة أو تأليف حكومة أخرى، قدّر أنه سيكون بالإمكان تأليفها ضمن الكنيست الحالي.


انشقاق «المتقاعدين» يؤمّن لغايدماك كتلة برلمانيّة
أعلن ثلاثة نواب من التحالف الحاكم في إسرائيل انسحابهم من حزب «المتقاعدين» للانضمام إلى لائحة جديدة ألّفها الملياردير الإسرائيلي الروسي أركادي غايداماك.
وأعلن النواب الثلاثة، إلحنان غيلزر وموشيه شاروني وسارا ماروم شاليف، انشقاقهم عن كتلة الحزب الأصلية في الكنيست، وتأليف كتلة جديدة تحت اسم «العدل للمتقاعدين». وبذلك يبقى في كتلة «المتقاعدين» 4 أعضاء كنيست.
وقال غيلزر إنه في ضوء التحقيقات التي تُجرى مع رئيس الحكومة إيهود أولمرت، فقد باتت أيام الحكومة الحالية معدودة، وإنه يجب عرض توجه بديل للائتلاف، مشيراً إلى أن الأحزاب الأخرى تعتقد بذلك. ويمثّل انسحاب النواب الثلاثة ضربة جديدة لحكومة التحالف التي يرئسها أولمرت، والتي أصبحت تستند إلى 64 مقعداً برلمانياً فقط من أصل 120.
وأطلق غايداماك في تموز حزبه السياسي «العدالة الاجتماعية»، وأعلن أنه لن يسعى إلى مقعد في الكنيست بل إلى بلدية القدس في الانتخابات البلدية التي ستُجرى في تشرين الثاني المقبل. إلّا أن موطئ القدم الذي حصل عليه الملياردير الروسي في الكنيست آلان سيمنحه موقعاً مؤثّراً في السياسة الإسرائيلية ما جعله موضع تجاذب بين حزبي الليكود وكاديما.
وقالت «هآرتس» إنه بموجب الاتفاق الذي تبلور بين أعضاء الكنيست المذكورين، وبين غايدماك، فإنهم سيمثلون في الكنيست حزبه «العدل الاجتماعي»، الذي سيغير اسمه لدى مسجل الأحزاب إلى «العدل الاجتماعي ــــــ العدل للمتقاعدين».
(الأخبار)