strong>بقي الصومال ساحة صراع ساخنة منذ عقدين، ويرجح أن يبقى كذلك إلى أمد أطول، بحسب تقرير دولي سيصدر في وقت قريب؛ فالولايات المتحدة التي فشلت في إيجاد أنصار صوماليين يستطيعون ترجيح كفّة الصراع لصالحها، واستعانت بقوات إثيوبية، تخسر الحرب رغم تعطيل الحلول الداخلية طويلاً
نيويورك ـ نزار عبود
تكشف مسوّدة تقرير أعده فريق الرصد التابع للأمم المتحدة، ومن المقرّر عرضه على الأمانة العامة خلال أيام، كيف أن الولايات المتحدة وبريطانيا ودولاً إقليمية ودولية أخرى تخرق قرارات مجلس الأمن الدولي وتهرّب السلاح إلى الصومال.
فريق المراقبة، الذي رصد الوضع في الصومال منذ 2004 بموجب تكليف من مجلس الأمن الدولي، استعان بوسائل استخباراتية خاصة، تشمل قادة وضباطاً عسكريين وخبراء ماليين ودبلوماسيين، وتجار أسلحة ومحاربين من طرفي النزاع في تقريره نصف السنوي الجديد.
وأكد هذا الفريق، في تقريره، أن قوات الحكومة الصومالية المؤقتة، وقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، انحسرت عن معظم المناطق، وباتت «حركة الشباب»، الجناح العسكري لـ«المحاكم الإسلاميّة»، تسيطر على مساحات شاسعة، مستخدمة أسلوب حرب العصابات. وأنشأت هذه الحركة، بحسب التقرير، قواعد في كل أنحاء الصومال، وتتلقى عن طريق البحر والبر شحنات منتظمة من الأسلحة من أريتريا، وحتى من إثيوبيا نفسها عبر مسالك سرية وعلى متن زوارق صغيرة. أما الأسلحة الأخرى التي تصل من بريطانيا والولايات المتحدة إلى الحكومة المؤقتة، فيذهب القسم الأكبر منها إلى قوات المعارضة نتيجة تفشي الفساد وفقدان الأمل بالانتصار.
وكشف التقرير أن «مسؤولين بارزين في القطاعات الأمنية الحكومية، وضباطاً أثيوبيين وآخرين من أوغندا من قوات بعثة المراقبين العسكريين التابعين لبعثة الاتحاد الأفريقي» يبيعون الأسلحة. وفي أسواق السلاح السبعة المنتشرة في مقديشو، يقول التجار إن أكبر كميات الذخيرة تأتي إلى المعارضين من «قيادات إثيوبية» ومن مسؤولين في الحكومة المؤقتة. ثم تعلن تلك القيادات أنها «استخدمتها في القتال». وهناك عملاء أسواق السلاح في كينيا.
على أن التقرير قدم معلومات تفصيلية عن خرق الولايات المتحدة وبريطانيا قانون حظر توريد الأسلحة إلى الصومال. وجاء فيه أن طائرة عسكرية بريطانية من طراز «سي ـــ 130» هبطت في 30 تشرين الثاني الماضي في مطار بربرة الصومالي من دون إخطار مسبق للفريق. ورفضت الحكومة البريطانية تقديم معلومات عن الشحنة التي نقلتها بعد طلب اللجنة منها ذلك في رسالة رسمية. وقالت إن بوليصة الشحن أتلفت، ثم أبلغت الحكومة البريطانية فريق الرصد أنها سترسل المزيد من الرحلات المشابهة. وقدّم الفريق قائمة بالرحلات اللاحقة في ملحق خاص بالتقرير.
أما الولايات المتحدة فتوصل السلاح العلني إلى الصومال «متفجّراً». وجاء في التقرير أن القوات الجوية الأميركية قصفت صباح 2 آذار الماضي أهدافاً في قرية دوهبلي الجنوبية، وهذا العمل يُعدّ «انتهاكاً للحظر بغض النظر عن الطريقة التي يتم بها».
وفيما أقرت الولايات المتحدة بالقيام بخمس غارات منذ أواخر العام الماضي، يؤكد التقرير أن ضباطاً أميركيين يقدمون «تدريباً عسكرياً مكثفاً وشاملاً للضباط في أرض الصومال».
ويرى التقرير أن ازدهار تجارة السلاح في الصومال يعود إلى «انعدام الأمن، وتوقع انهيار الحكومة الاتحادية الانتقالية في المستقبل القريب». لذا يعزز زعماء القبائل وجنرالات الحرب تسليح أنصارهم لتوطيد معاقلهم السابقة.
وتوسع التقرير في تفصيل دور الضباط الإثيوبيين في الأسواق. فلم يعد هؤلاء ينقلون السلاح بشكل مكشوف، بل ينقلون التعهدات ويوصلون الشحنات إلى مستودعات المشترين مباشرة بعد عقد الصفقات. وإذا أوقفت القوات الحكومية شحنة في الطريق، يتدخل أحد مسؤولي الحكومة المنتفع منها ليكفل الإفراج عنها. وقدّر التقرير أن 60 في المئة من الذخائر التي ترسل إلى القوات الإثيوبية وإلى الحكومة الانتقالية تنتقل إلى يد الخصوم، ولا سيما إلى «حركة الشباب». وأكد أن سلاح الجنود الذين يقتلون في المعارك يباع لقوات المعارضة، وأحياناً يفضل الجنود أنفسهم بيع السلاح والهرب من «معركة باتوا يشعرون أنها خاسرة».
إزاء هذا العرض الكبير من الأسلحة من كل جهة، وبفضل الشحنات الغربية الكبيرة التي لا تجد من يرغب في استخدامها، انخفضت أسعار السلاح في الأسواق. واستفادت «حركة الشباب» في تحقيق مكاسب مادية من إعادة بيع قسم من السلاح الرخيص أو المستولى عليه من مراكز القوات الحكومية ومخازنها، محققة عائدات مجزية.
التقرير المؤلف من 117 صفحة، يتحدث عن وفرة في السلاح داخل الصومال، إلى درجة جعلت كينيا مستورداً كبيراً له. ووفقاً للمصدر نفسه، يدرب الأميركيون في معسكر أواسا بيلاتي نحو ألف عنصر تابع لقوات الحكومة الاتحادية الصومالية، وسيخرّجهم في تموز المقبل و«يجري هذا التعاون العسكري خارج إطار الشرعية الدولية». كما طلب فريق الرصد الدولي معلومات من القوات الإثيوبية بشأن تدريبها لميليشيات بيرمادكا الموالية. لكن القوات الإثيوبية لم تستجب لطلبه.
في المقابل، يقول التقرير إن «رعايا أجانب يدرّبون ميليشيا حركة الشباب داخل الصومال على حرب العصابات واستخدام الأسلحة والمتفجرات وتركيبها. ويتدربون على تقنيات الاغتيال وجمع المعلومات الاستخباراتية والاختراق، واستخدام أجهزة التفجير المرتجلة والتدرب على القنص».
ومن مظاهر الفساد الأخرى، بحسب التقرير، تحويل الرئيس عبد الله يوسف مبلغ 3 ملايين ونصف مليون دولار، قدمتها السعودية لتغطية نفقات المصالحة بين الأحزاب في بونتلاند، لشراء السلاح. ورفض يوسف الرد على سؤال الفريق بشأن كيفية تصرفه بالمال.
كما روى التقرير أن رئيس الوزراء السابق محمد علي غدّي «أنفق بإسراف على شراء الأسلحة» من المال العام لتسليح قواته الخاصة وتزويدها بالعربات. كما أن عشرات الملايين التي قدمت من دول أجنبية، بينها السعودية، لتحقيق أهداف سياسية، لم تنفق بشكل شفاف.