تبدو الخريطة السياسيّة لانتخابات مجالس المحافظات والانتخابات العامّة في العراق، مشوّشة إلى حدّ ما، مع افتراض اعتماد القائمة المفتوحة للترشيح، ومع الانهيار الملحوظ للكتل الكبيرة، وظهور كتل جديدة على أساس عابر للطوائف
بغداد ــ زيد الزبيدي

بعد أكثر من خمس سنوات من اعتماد الحاكم الأميركي بول بريمر للمحاصصة الطائفية والعرقية أساساً لسير العملية السياسية في العراق المحتلّ، فإنّ الكتل السياسيّة التي دخلت العملية السياسية على هذا الأساس، تجد نفسها اليوم على مفترق طرق قد يؤدّي إلى انفراطها وبروز تحالفات جديدة لا تعتمد بالضرورة على تلك «البدعة الطائفيّة السيئة الصيت».
التخندق الطائفي، الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة والمحاصصة التي نتجت منه، وصلت إلى معظم مفاصل الدولة، الأمر الذي زاد عمق الأزمة بين أطراف العملية السياسية، وشل حركة الدولة، وخاصة في مجال تحسين الوضع الاقتصادي وتحسين الخدمات وحلّ مشكلة البطالة التي وصلت نسبتها إلى أكثر من 70 في المئة في ظل فساد مالي وإداري يأتي من حيث حجمه، في المراتب الثلاث الأولى في العالم، حسب تقارير دولية.
ويعتقد مراقبون أنّ ضغوطاً أميركيّة تُمارَس من خلف الكواليس على أطراف العملية السياسية من أجل الاتفاق في ما بينها على قواسم مشتركة تبدأ من خلق أجواء ثقة متبادلة، مروراً بتشجيع المصالحة الوطنية، باتجاه يصب في مصلحة الطرفين العراقي والأميركي.
فإدارة جورج بوش، التي لم تعترف صراحة بفداحة الأخطاء التي ارتكبتها بعد الاحتلال، وأبرزها قرارات حل القوات المسلحة ومؤسسات الدولة العراقية الأخرى، تحاول التكفير عن تلك الأخطاء بمحاولات التقرب من الجهات التي رفعت السلاح في وجهها وإقناعها، بل وإغرائها بشتّى الطرق، للمشاركة في العملية السياسية، والضغط من جهة أخرى على الأطراف السياسية الحالية لإفساح المجال أمام القوى الجديدة للدخول في المعترك السياسي.
وهنا، لا بدّ من استدراك صغير، ولكنه مهم، إذ ترى بعض أطراف «القاعدة» وتنظيمات مسلحة أخرى أن «الأسلاف» في أفغانستان، سبق أن تحالفوا مع الأميركيّين لمقاتلة الاتحاد السوفياتي، ولا ضير من تكرار التحالف في العراق «لمواجهة الغزو والنفوذ الإيراني».
اليوم، وباستثناء «التحالف الكردستاني»، فإن الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان، وهما «الائتلاف العراقي الموحد»، و«جبهة التوافق العراقية» أصبحتا في حكم المنتهيتين عملياً، ما يعني أنّ هناك اتجاهاً في العراق يأخذ في الابتعاد عن الطائفية شيئاً فشيئاً.
فـ«الائتلاف الشيعي»، تزعزعت أركانه ولم يبقَ منه غير «المجلس الأعلى الإسلامي» وجزء من حزب الدعوة (جناح نوري المالكي)، وعدد من المستقلين. وجاءت أخيراً الضربة القاصمة للائتلاف من ركنه الأساسي «المجلس الأعلى الإسلامي»، الذي أعلن، على لسان رئيس كتلته في البرلمان، جلال الدين الصغير، أنه يعتزم خوض الانتخابات المقبلة بمفرده في الانتخابات المقبلة، أي إنّه لن يبقى من «الائتلاف» إلا جزء من حزب الدعوة.
وبالنسبة إلى «جبهة التوافق العراقية»، تبدو الأمور بدورها غير مستقرة، مع التهديدات المستمرّة من «مجلس الحوار الوطني» بالانسحاب من الجبهة، «لأنها طائفية»، إضافة إلى الخلافات بين أركان الجبهة على تقاسم المناصب الوزارية في حال عودتها المقررة إلى الحكومة.
ويرجّح المراقبون أنّ قرار عودة «التوافق» إلى الحكومة اتُّخذ بسبب شعورها المتزايد بنمو جهات فاعلة لها تمثيل قوي في أوساط العرب السنّة، ما يسحب البساط من تحت أقدامها، ولا سيما مع دخول فصائل مسلحة ذات تأثير قوي في العملية السياسية، ومن بينها أطراف فاعلة في تنظيم «القاعدة» تحت مسمّيات «الصحوة».
كما وُلد أخيراً «ائتلاف سنّي ـــــ شيعي»، كشف عنه الأمين العام لمنظمة أنصار الدعوة في العراق مازن مكية، ويضم منظّمته مع مجلس إنقاذ الأنبار وشيخ مشايخ الدليم، وبعض الصحوات.
وفي هذا الوقت، تتبلور فكرة «مشروع وطني»، يتزعمه الثنائي إياد علاوي وعدنان الباجه جي. ويبدو أنّ اختيار الباجه جي إلى جانب علاوي في هذا المشروع، جاء بسبب أن لعلاوي خلافات كبيرة مع الكثير من الأطراف، كبرت خصوصاً في فترة تولّيه رئاسة الحكومة، إضافة إلى كونه بعثياً سابقاً، بينما الباجه جي عرف بكونه «مسالماً»، ولم يكن طرفاً في نزاعات سياسية.
وفي السياق، يؤكّد الباجه جي لـ«الأخبار»، أنّ «الأحداث المتسارعة أثبتت فشل المشروع الطائفي ـــــ السياسي، وانهياره، وأنّ إعلان المشروع الوطني سيحصل قريباً، بعد انعقاد المؤتمر التأسيسي». ولعلّ أبرز ما يثيره الباجه جي، هو اختيار القيادي في حزب الفضيلة نديم الجابري، وهو من «عراقيّي الداخل»، ناطقاً باسم التجمّع الجديد، ما يعني دخول الفضيلة رسمياً في هذا التجمّع. وفي أوّل تصريح للجابري، أشار إلى أنّ «المشروع الوطني الذي اقترحته القائمة العراقية هو الحل الأمثل لمشكلة العراق بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية، وهو الضمان لبناء دولة القانون».
ويفصح الباجه جي في قراءته الهادئة عن بعض تفاصيل مكوّنات التجمّع الذي سيضم أطرافاً من التيار الصدري، و«بعض الشخصيات المهمة» من حزب الدعوة، و«التجمع الجمهوري العراقي» الذي يرأسه سعد عاصم الجنابي، و«الكتلة العربية للحوار الوطني» برئاسة صالح المطلك، وأطراف من مجالس الصحوة، وشيوخ عشائر.
وبشأن الأطراف والشخصيات التي انسحبت من «القائمة العراقية»، مثل الحزب الشيوعي وجماعة المستقلين برئاسة مهدي الحافظ، قال الباجه جي: «هؤلاء جزء مهم من مشروعنا، وحتّى لو حدثت بعض الخلافات التنظيمية، فهي لن ترقى إلى مستوى الخلافات على التوجهات العامة للمشروع الوطني الذي نتبناه كما يتبنونه هم».