الظهيرة ـــ بهية العينينعين الحلوة ـــ خالد الغربي
رغم الظروف والأوضاع الأمنية اللبنانية، أبت المخيمات الفلسطينية في لبنان إلا أن تنطلق بمسيرة العودة إلى الحدود اللبنانية ـــ الفلسطينية، شارك فيها نحو 5 آلاف فلسطيني، تعبيراً عن إصرارهم على حق العودة ورفض التوطين والتهجير وتواصلهم مع شعبهم في الداخل. فإلى مروحين التي تبعد أمتاراً قليلة عن الحدود مع إسرائيل في الجنوب، وصل مئات الفلسطينيين في سيارات نقل صغيرة ليشاهدوا عبر الأسلاك الشائكة أقرباء لهم أتوا من قرى وبلدات احتلتها إسرائيل عام 1948.
الباصات التي تقل اللاجئين من مخيمات صور، ومنهم نساء وأطفال ومسنّون، تنقلت في مناطق حدودية عدة قبل أن تلتقي القادمين من الجهة الأخرى في جبل الظهيرة، حيث تبادلوا معهم التحية بالأيدي والأسئلة عن العائلة عبر مكبرات الصوت.
طريق جبل الظهيرة الضيقة والمحفوفة بالمخاطر بفعل الألغام والقنابل العنقودية، بالإضافة إلى كثافة الأشجار، حالت دون رؤية الأهل بعضهم بعضاً، والمسافة البعيدة التي فرضتها الأسلاك الشائكة، سمحت فقط لمكبرات الصوت كوسيلة تواصل، واقتصرت لدقائق على إرسال التحيات. وحمل القادمون صور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأعلاماً فلسطينية ويافطات تطالب بحل عادل لقضية اللاجئين.
وجرت التظاهرة بالتنسيق مع حزب الله والجيش اللبناني، وسار فيها لاجئون من مخيمات جنوب لبنان الخمسة التي يقطنها نحو 65 ألف فلسطيني. وانضم إلى المسيرة طلاب ونساء وأطفال وشيوخ ورجال دين فلسطينيون رفعوا لافتات كتب عليها باللغتين الإنكليزية والعربية عبارات «عائدون» و«نعم لحق العودة» و«نرفض التوطين ولا بديل لنا عن فلسطين» و«نطالب الرئيس الأميركي (جورج) بوش بالضغط لتنفيذ القرارات الدولية ومنها القرار 194» و«لبنان جميل لكن فلسطين بنظرنا هي الجنة». فلسطينيو الداخل الذين كان عددهم لا يتجاوز الخمسين شخصاً منعوا، كما قال الشيخ عبد السلام المناصري، من رفع العلم الفلسطيني، وسمح لهم فقط بعلم الأمم المتحدة. وأرسل الشيخ تحيات «كل الشعب الفلسطيني إلى أهلنا في لبنان»، كما شكر «جميع اللبنانيين على استضافتهم إخوانهم»، مبشّراً بـ«اليوم الموعود ألا وهو يوم العودة».
وقال الفلسطيني محمد نور (33 عاماً) من مخيم الرشيدية جنوب مدينة صور الساحلية، خلال مشاركته في المسيرة «شممت اليوم رائحة هواء وطني. إنني مشتاق للعودة إلى قريتي في فلسطين وتدعى سحماتا في الجليل الأعلى».
وقالت الفلسطينية سهاد يوسف (65 عاماً) من مخيم جل البحر قرب صور، إن مشاركتها في المسيرة هدفها التأكيد على إصرارها على حق العودة إلى «أرض أجدادها في عكا». وتمنت لو أن «الحكام العرب» يقولون للرئيس الأميركي جورج بوش، الذي بدأ اليوم جولة في المنطقة استهلها في إسرائيل، بأن «الشعب الفلسطيني يريد العودة إلى وطنه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس».
وفي مخيم عين الحلوة، أحيا المقيمون ذكرى النكبة بمسيرة ضمت نحو 500 طفل جابت طرق المخيم الأكبر، وهي تؤكد على حق العودة.
بضعة فلسطينيين طاعنين في السن يلتقطون الأنفاس ويجمعون قوتهم، في رحلة تقودهم إلى البعيد ليتوغلوا في ذاكرتهم فينبشون قصصاً تحكي معاناة التشرد وعن وطنهم الذي «أضعناه بغدر الغادرين العرب الذين قالوا لنا أياماً معدودة وسنعيدكم إلى بلادكم» يقول أبو محمد الأسدي الذي يردف بالقول: قاتلنا قتالاً مشرفاً لكن الخيانة تمتد إلى ما قبل فلسطين وما بعدها، كلامه بدا كمن ينكأ جرحاً غائراً.
وارتدت النسوة الزي الفلسطيني التقليدي المطرز، فيما اعتمر الفتيان الكوفية الفلسطينية. وارتدى عدد من الأطفال ثياباً بألوان العلم الفلسطيني. وحمل الأطفال سلالاً وضعوا فيها أوانيَ منزلية أو وضعوا حاجيات في صرر في مشاهد تعيد إلى الذاكرة صور نزوح الفلسطينيين عن وطنهم عام 1948.