حسن شقرانيالمعاناة التي تعيشها الولايات المتّحدة على صعيد السياسة الخارجيّة، والتي كثرت الطروحات كيف أنّها نتيجة التوجّه نحو الحدود القصوى بمنظومة الأفكار المحافظة (أساسها الفلسفي ظهر مع طروحات المفكّر ليو شتراوس ومبدأ «الأكاذيب النبيلة»)، تُكسب النقاش عن عصر التحوّلات (من الأحاديّة نحو تشكيلات جديدة للنفوذ الدولي) معنى خاصاً، يوماً بعد يوم: تكفي دراسة فشل تجربة خلق «شرق أوسط جديد» بمعايير الإدارة الأميركيّة.
وهذا النقاش يمتدّ ليشمل الأزمة التي يعيشها النظام الرأسمالي الكوني: كيف يكمن إبقاء الشؤون الاقتصاديّة داخل باقة سيطرة الشركات، فيما المنظومة التي تحكم علاقة تلك الشركات بالسوق وبالدولة ظهرت عاجزة عن معالجة أزمة الائتمان التي مسّت بورصات العالم ولا تزال؟ كيف يمكن تكييف سيطرة «مجتمع المعرفة» مع سوق لا ينفكّ يطرح منافسين يتطوّرون من دائرة التقليد نحو دائرة الابتكار؟
معالجة واشنطن للقضايا الدوليّة التي تمسّ مصالحها، لم تكن عند المستويات التي يتطلّبها عالم القطب الواحد (وخصوصاً خلال السنوات الثماني الماضية التي حكم فيها الرئيس جورج بوش والتي ولّدت كرهاً عالماً غير معهود لـ«الأرض الجديدة»). وبموازاة ذلك، معالجتها للقضايا التي تعني الأميركي، كمستهلك ومنتج وعنصر اجتماعي فاعل، تعيش مرحلة صعبة ومعقّدة جداً، وخصوصاً خلال هذه الأوقات التي تستعدّ فيها البلاد لرئيس جديد.
ومن بين القضايا الداخليّة المثيرة التي يتحدّث عنها الكثير من المفكّرين والسياسيّين والأكاديميّين، تلك المتعلّقة بالتربية ورعاية الطلّاب. فبحسب دراسة أصدرتها جمعيّة التوعية الاجتماعيّة للأطفال والشباب «AMERICA S PROMISE ALLIANCE»، فإنّ كلّ 26 ثانية تشهد ترك طالب للثانويّة الحكوميّة التي يرتادها، وبالتالي احتمالاً كبيراً تخلّيه عن الدراسة كلياً.
هذه الموجة التي تمسّ مستقبل الثقافة الأكاديميّة في البلاد، تترافق مع أزمة يعيشها الطلّاب في الحصول على قروضهم الجامعيّة. فقد انخفض الدعم الحكومي المباشر للطلّاب بنسبة 11 في المئة بين العقد الأخير من القرن الماضي وأيّامنا الحاليّة (انخفض من 33 في المئة من مجمل الديون الممنوحة إلى 22 في المئة فقط)، وذلك تحت ضغط لوبيات السوق الحرّة التي تروّج لأفضليّة تأمين مساعدات حكوميّة للقروض التي يمنحونها، عوضاً من مساعدة الطلّاب مباشرة. ولهذا السبب، أعلنت إدارة بوش في الفترة الأخيرة عن نواياها تأمين قروض مسهّلة جداً للطلّب خلال هذه الفترة الحرجة التي يعيشها الاقتصاد، وتُعدّ مرحلة أولى من كساد مرتقب.
من المؤكّد أنّ أميركا التي سيرثها الرئيس (الرئيسة) المرتقب تحتاج إلى ورشة إصلاح كاملة، تتطرّق إلى كيفيّة التعاطي مع فشل ولادة الشرق الأوسط الجديد، وفي الوقت نفسه كيفيّة إبقاء الشاب النيويوركي مثلاً في مدرسته... تحدّ ضخم للحفاظ على «ريادة أميركا للعالم» أو حتّى مشاركتها في ريادته!