انتخابات عامّة تظلّلها خلافات طائفيّة وقبليّة وصراعات العائلة الحاكمة مي الصايغلم يكد الناخب الكويتي يطوي صفحة الانتخابات التشريعية، حتى يعود ويتوجه اليوم إلى صناديق الاقتراع للمرة الثانية في أقل من سنتين، لاختيار أعضاء مجلس الأمة، في ظل توتّر طائفي وتأزّم سياسي غير مسبوق، عزاه بعض المرشحين إلى صراع أجنحة داخل أسرة الصباح الحاكمة.
ويتنافس 274 مرشحاً على مقاعد البرلمان الكويتي الخمسين، على أساس قانون انتخابي جديد خفض بموجبه عدد الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5 دوائر، في خطوة عدّها المحلل السياسي وزير النفط السابق علي البغل، «قفزة إلى المجهول»، ورأى فيها مصلحة «للجماعات الجيّدة التنظيم مثل الإسلاميين والقبائل التي يمكنها أن تجعل صوتها مسموعاً».
وبالنظر إلى الخريطة الانتخابية، يتوزّع المرشحون بين التيار الإسلامي والليبرالي، إذ يخوض الإسلاميون السُنّة الانتخابات بقوائم منفصلة هي «الحركة الدستورية» (الإخوان المسلمون) والحركة السلفية المحسوبة على جمعية «إحياء التراث»، والحركة السلفية العلمية، ثم تيار رابع يضم مجاميع إسلامية مستقلة لا تختلف في الرؤى والتوجه العام عن التيارات السابقة، والتي كانت بمثابة قوة ضاغطة في البرلمان السابق (29 مقعداً) ضدّ الحكومة.
ويرى مراقبون أن لـ«الحركة الدستورية الإسلامية» (حدس) حظوظاً أكبر من غيرها، لكونها التيار الإسلامي الأبرز تنظيماً، والأقدم في العمل السياسي. وتؤكّد «حدس» أنه بإمكانها الظفر بجميع الدوائر الخمس تقريباً، وتوقعت فوز التيار الإسلامي بمختلف تصنيفاته بنحو نصف مقاعد البرلمان. وإذا حقق تحالف السلف والإخوان نتائج متقدمة، فسيكون الأول من نوعه في تاريخ العلاقة بين الحركات الإسلامية، وهو بالتأكيد سيثير مخاوف قوى عديدة في الكويت وخارجها ويعطي للإسلاميين في البرلمان قوة كبرى لتنفيذ برامجهم بقوة التشريع والقانون.
ورجّح المحلل السياسي صالح السعيدي أن يحافظ الإسلاميون السنّة والمحافظون على سيطرتهم في البرلمان، على أن تؤدي الانقسامات الطائفية والقبلية والاجتماعية دوراً مهماً في تحديد نتيجة الانتخابات.

الشيعة
الانقسامات الطائفية تأجّجت مع حملة تضييق رسمية على ناشطين من الطائفة الشيعية التي تمثّل ثلث الكويتيين تقريباً، وذلك في أعقاب مشاركة عدد منهم في احتفال تأبيني للقيادي في حزب الله عماد مغنية، ما دفع أبناء الطائفة الشيعية منذ حلّ مجلس الأمة إلى ترتيب أوراقهم عبر التوصل إلى صيغة توافقية لأسماء مرشحيهم، لضمان وصول أكبر عدد منهم إلى مجلس الأمة.
وأعلن الشيعة قائمة أولى تضم ثلاثة مرشحين يحملون خلفيات اجتماعية وسياسية ودينية مختلفة، ولا يشتركون إلا في أمر واحد، وهو أنهم كلّهم شيعة، بحجة أن ظروف الدوائر الخمس الجديدة والانتخابات القبلية هي التي أجبرتهم على ذلك. كما أن تمثيلهم في السنوات الأخيرة لم يكن بمستوى طموحاتهم، حيث كان عدد نوابهم يتراوح ما بين أربعة وستة أعضاء.
ويعتقد الناشطون الشيعية أن الجو الحالي، إضافة إلى تقسيم جديد للدوائر الانتخابية، سيصبّ في مصلحة مرشّحي الطائفة. وقال المرشح الشيعي عبد الواحد خلفان في هذا السياق «أعتقد أنه سيكون هناك سبعة أعضاء شيعة في مجلس الأمة».

الليبراليون
على الجبهة المقابلة، تبدو المعارضة أقل تماسكاً مما كانت عليه في انتخابات 2006. ويمثّل التيار الليبرالي، الذي يحمل اسم «التحالف الوطني الديموقراطي»، الخصم التقليدي للحركة الإسلاميّة، ويخوض الانتخابات بـ8 مرشحين في 3 دوائر فقط.
ويعاني التيار، بحسب مراقبين، من عقبات أهمها فشله في تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي باتجاه مجتمع «أكثر تحررية»، بسبب نجاح التيارين الإسلامي والمستقل في السيطرة على مفاتيح الحراك السياسي والاجتماعي.
كذلك فإن الدوائر الخمس التي كانت إحدى أبرز مطالب الليبراليين، قد تقلّل من مقاعدهم في مجلس الأمة في مناطق نفوذهم، ولا سيما بعدما غيّر الإسلاميون تكتيكهم، كما أن حجمهم التمثيلي يعدّ الأقل في المناطق ذات الغالبية الشيعية.
إلا أنه مع توجّه الحكومة الكويتية إلى فك ارتباطها بالقبائل من خلال محاربتها للانتخابات القبلية بصرامة، وهي التي تعدّ الحليف الأكبر لها، تبدو فرص الليبراليين الذين يمتلكون إرثاً سياسياً معارضاً أكبر من سابقاتها، ما يقرّب، برأي المراقبين، التيار الليبرالي بطريقة أو بأخرى من الحكومة.

القبائل
كانت حظوظ أبناء القبائل في الانتخابات النيابية الكويتية الأبرز، قبل أن تكشّر الحكومة عن أنيابها، للمرة الأولى، مستخدمة القوة للحؤول دون تنظيمهم انتخابات تمهيدية مخالفة للقانون. وربما ستختلف المعادلة هذه المرة.
إذ منذ سنوات، تعالت أصوات مطالبة بكسر أدوات التهييج والتحشيد القبلي، ومن أبرز هذه الأدوات ما يسمى في الكويت «الانتخابات الفرعية»، وهي انتخابات تجريها القبائل داخلياً لحصر أسماء من يمثّلها في انتخابات مجلس الأمة. وتعطي هذه «الفرعيات» القبيلة قدرة على احتكار مقاعد بعض الدوائر الانتخابية، وتنتج نائباً موالياً لها.
ورغم إصدار مجلس الأمة عام 1998 قانوناً يُجرِّم الانتخابات الفرعية، غير أن القضاء لم يصدر أية عقوبات رادعة، حتى أعلنت الحكومة أنها ستواجه «الفرعيات» بحزم، بعد حلّ المجلس الأخير. حزم قاد إلى مداهمات حكومية للانتخابات القبلية، ليظهر تغيّر لعبة التعاطي بين القبائل والحكومة، وليدفع بأبناء القبيلة إلى صفوف المعارضة، بعدما كانوا الحليف الأكبر للسلطة منذ عقود.
وتمتد جذور الحلف إلى بداية العمل بالدستور الكويتي عام 1962 ونشوء مجلس الأمة، حين فكّرت قوى داخل السلطة باستخدام القبائل لاختزال البرلمان والحد من نفوذ المعارضة فيه. فقامت بتوطين البدو من قبائل شمال الجزيرة مثل «عنزة» و«شمّر» و«الظفير»، ما أحدث تغييراً في ديموغرافية المجتمع الكويتي، فصار الحضر السنّة يمثّلون أقل من نصف المجتمع، بينما يمثّل أبناء القبائل نحو 40 في المئة أو أكثر.
ومع أن اللوم في تطوّر القبلية السياسية يقع أساساً على السلطة الحاكمة، فإن هذه السلطة نفسها غير قادرة الآن على إعادة هذا «المارد» إلى القمقم، إذ تمكّنت العصبية القبلية من اختراق السلطة نفسها في شكل تحالفات عقدتها بعض القبائل ونوابها مع أقطاب متنافسين داخل المنظومة الحاكمة، حتى صارت القبلية جزءاً من المعادلة السياسية العامة ورقماً في التجاذبات على مستوى القمة.
كذلك تحوّلت القبيلة إلى ما يشبه المنظمة السرية التي ترعى مصالح أبنائها في الحقوق المدنية وفرص الدراسة والتوظيف والمناصب، وتعزز من فرصهم التنافسية مع غير القبليين، بل وتنصر ابن القبيلة ظالماً أو مظلوماً.

صراع أجنحة
تأتي انتخابات اليوم في أعقاب أزمة سياسية بين الحكومة والبرلمان، حاول أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، في آذار الماضي، نزع فتيلها عبر حلّ مجلس الأمة، بعد سنتين من انتخابه. سنتان شهدتا استقالة 4 حكومات واستجواب عدد من الوزراء وإجبارهم على الاستقالة.
توتّرات عزاها بعض المرشحين إلى خلافات مفترضة داخل الأسرة الحاكمة. إذ شدد المحلّل السياسي صالح السعيدي على أن البرلمان المقبل، بغض النظر عن تركيبته السياسية، لن يكون قادراً على تحقيق الاستقرار السياسي، لأن ذلك الأمر يتعلّق قبل كل شيء بأسرة الصباح التي تحكم الكويت منذ 250 عاماً.
ورأى السعيدي أن الخلافات المفترضة داخل الأسرة غيّرت مفهوم المعارضة البرلمانية في الكويت. وقال: «هناك اليوم مجموعة من النواب تساند جناحاً في الأسرة الحاكمة، ومجموعة أخرى تساند جناحاً آخر».
كما لفت النائب الليبرالي محمد الصقر إلى «أن الكويت تدفع ثمن هذه الخلافات، لا أحد يمكنه أن يشكك في الولاء لآل الصباح، إلا أنه يجب حل هذه المشاكل لأنها تؤثر في الحياة السياسية وفي البرلمان». وأكد أن «الخلافات داخل الأسرة الحاكمة كانت في أساس الأزمات السياسية».
خلافات انعكست سلباً على جهود التنمية في البلاد، على الرغم من العائدات النفطية الهائلة بفضل الفورة النفطية. وهو ما ذهب إليه المرشح الليبرالي علي الراشد، الذي رأى أن الكويت كانت «في طليعة الدول الخليجية في الستينيات والسبعينيات، واليوم نحن في المرتبة الأخيرة، جرّاء هيمنة الإسلاميين».
واللافت في الكويت، التي كانت أول دولة خليجية تتبنّى نظاماً يتضمن انتخاب أعضاء مجلس الأمة، غياب أبرز ركائز النظام البرلماني، وهي الأحزاب التي لا يزال إنشاؤها محظوراًَ، وسط دعوات لتطبيق الديموقراطية الكاملة عبر السماح بإنشاء الأحزاب السياسية وتأليف حكومة من جانب الغالبية النيابية يرأسها شخص من خارج الأسرة الحاكمة، لوضع حدّ للتجاذبات السياسية القائمة بين البرلمان والحكومة. ولفت المحلل السياسي عايد المناع إلى أن «نصف ديموقراطية لا يمكن أن تعمل». ورأى أنه «من الصعب تخيّل كيف يمكن لحكومة في نظام برلماني أن تستمر في الحكم من دون التمتع بغالبية» في البرلمان.
فعلى الرغم من تمتّع النواب بصلاحيات تشريعية ورقابية واسعة، ليس لهم في مجلس الأمة الكويتي أي كلمة في تأليف الحكومة التي يرأسها تقليدياً عضو بارز في الأسرة الحاكمة. كما أن الحكومة ليست بحاجة إلى ثقة البرلمان، ويمكن للنواب أن يقوموا باستجواب الوزراء، الذين يحظون تلقائياً بمقاعد في البرلمان، كلّ على حدة، والتصويت على إقالتهم، إلا أنه ليس بإمكانهم إسقاط الحكومة ككل. ورغم حظر الأحزاب السياسية، يعمل نحو 12 تنظيماً سياسياً ليبرالياً وإسلامياً وقومياً كأحزاب على أرض الواقع. وفي كانون الثاني من عام 2005، أسّس الإسلاميون السلفيون أول حزب سياسي لهم في دولة خليجية باسم «الأمة»، إلا أن السلطات لم تعترف به قط.
وأياً يكن الفائز، ليبرالياً أو إسلامياً، فلا يبدو أن الكويتيين سيكونون على موعد مع الاستقرار لجهة تقلّب المشهد السياسي. والانتخابات لا تبدو أكثر من مسكّن لمرض استفحل ولا يمكن استئصاله إلا عبر عملية إصلاح جذرية.


إضاءة

هل يبقى مجلس الأمّة ذكوريّاً؟
تعدّ المرأة الكويتية المفتاح الذهبي لأبواب مجلس الأمة، ولولاها لا يمكن للمرشح أن يضمن ولوج عالم السياسة والجلوس على المقعد البرلماني في قاعة عبد الله السالم. غير أن الكويتيات اللواتي يشاركن للمرة الثانية على التوالي في الانتخابات، اقتراعاً وترشّحاً، لا تبدو حظوظهن أفضل بكثير من انتخابات حزيران من عام 2006 حين لم تفز أيّ منهن.
وتعيش الكويتيات هاجس لعنة عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت، الدكتور محمد الطبطبائي، الذي رأى إبّان الانتخابات الماضية أن «صوت الناخبة المتزوّجة سيكون مسيّراً وفقاً لاختيار زوجها، وإن رغبت في التصويت لمرشح لا يرغب هو فيه».
وكان الطبطبائي قد قال قبيل انتخابات 2006 «إنه متى ما علق الزوج طلاق زوجته بالتصويت لمرشح محدد من المرشحين، فإن الطلاق يكون واقعاً في حال عدم التزامها بالمرشح الذي يطلب منها التصويت له حتى وإن خالفت سراً ولم تخبر الزوج».
وتوقعت عضو هيئة التدريس في قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت، مريم الكندري، أن تعطي الشريحة الأكبر من الناخبات أصواتهن وفقاً لقناعات تخصّ آباءهن وإخوانهن وأزواجهن. وذهبت إلى أن ما تراه في مجال عملها هو أن الكثير من الفتيات من كليات مختلفة يملن إلى التصويت للمرشحين أكثر من المرشحات، لأنهن لا يؤمنّ بأن المرأة تملك القدرة السياسية، عكس الرجل.
ويبلغ عدد المرشحات 27 إمراة، دخلت 26 منهن السباق مستقلّات. وتعد المرشحة د. أسيل العوضي المرشحة الوحيدة ضمن قائمة انتخابية، حيث تتقدّم على قائمة «التحالف الوطني» الليبرالية. وهي تقول بكل تفاؤل «أنتظر دعم الشعب الكويتي برجاله ونسائه، لأنني أترشح لكي أمثّل الجميع، وأنا ضد أي خطاب يفصل بين المرأة والرجل، وبرنامجي للجميع، وهو برنامج التحالف».
يذكر أن أرقام إدارة الانتخابات في وزارة الداخلية أوضحت تفوّق الرجال على النساء من حيث نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس الأمة في عام 2006، إذ بلغت نسبة إقبال النساء 58 في المئة في مقابل 77 في المئة من الرجال الذين مارسوا حق التصويت من مجموع المقيّدين في الكشوف الانتخابية.
إذ كان من قوة تأثير الأصوات النسائية في الدائرة 19 تحديداً أنها ضمنت فوز المرشح محمد خليفة بالمركز الأول، بغض النظر عن الأرقام الرجالية التي حصل عليها، أي إنه لو لم يحصل على أي صوت من الرجال على الإطلاق، لكان أيضاً قد فاز بالمركز الأول بفضل الأصوات النسائية وحدها، وهذا إنجاز».
وبعدما كان وراء كل برلماني كويتي امرأة، هل تضعها انتخابات اليوم إلى جانبه؟