معاريف ــ جاكي حوغي للوهلة الأولى، جولة العنف الحادة التي وقعت الأسبوع الماضي في لبنان لا تتعلق بإسرائيل. كان هذا انفجاراً داخلياً، الأشد منذ الحرب الأهلية، رغم أنه أبقى المسيحيين خارج الدائرة الدموية. غير أن إسرائيل، العالقة في وحل غزة، يتعين عليها أن تتابع جيداً ما يجري في بيروت. دوافع حزب الله لن تتوقف في فرض التفوق العسكري على محيطه. فمنذ ثلاث سنوات وهو يعد نفسه للحظة الكبيرة: الانتخابات البرلمانية في أيار 2009.
الغليان داخل لبنان وجه هذا الأسبوع الاهتمام إلى سيناريو محتمل: انتصار حزب الله في هذه الانتخابات واحتلال بيروت بالوسائل السلمية. حكومة لبنان يقودها اليوم ائتلاف مؤيد للغرب، معادٍ لحزب الله وسوريا، ومدعوم من الدول الغربية وكتلة الدول المعتدلة في الشرق الأوسط. إذا ما نجح حزب الله في احتلال البرلمان، سيكون هذا أول انتصار من نوعه لحركة شيعية في دولة عربية.
في إسرائيل، انطلقت هذا الأسبوع اصوات ترسم سيناريو رعب لوجود إيراني على الحدود الشمالية. هذا الزعم متسرع للغاية. ليس فقط في أن انتصار حزب الله الساحق ليس مضموناً، بل يرابط أيضاً على أرضه 13 ألف جندي من الأمم المتحدة، التي لبنان هو عضو مرغوب فيه في مؤسساتها. الذي يدعونا إلى الفزع من المستقبل يتجاهل طبيعة حزب الله. وهو لا يرى الفوارق الجوهرية بين لبنان وغزة، حيث ترسخ نظام راديكالي آخر.
حزب الله، قبل كل شيء، ليس كياناً إيرانياً، بل حركة جماهيرية لبنانية، تستمد قوتها وشرعيتها من الجمهور في بلادها. وإذا ما تشكلت الحكومة التالية، فإنها لن تسارع إلى إضاعة هذا الإنجاز في مواجهات عسكرية مضنية في الداخل والخارج. في البداية، ستتطلع إلى تثبيت حكمها، وبقدر ما يبدو هذا مفاجئا ـــــ أن تبني لبنان وتعيد بناء اقتصاده المتردي. حزب الله سيجلب معه سمعة نظافة اليدين العامة والقدرة على الإدارة المثيرة للانطباع. وكما يرى دوماً إلى الأمام، سيرغب في ألا يكون نصره هذا هو الأخير. حزب الله هو حركة براغماتية تدير معظم شؤونها بتفكر وأناة. ومع وصولها إلى الحكم سيكون من مصلحتها الكف عن التصرف كمجموعة معارضين وسترتدي رداءً من المسؤولية.
انتصار حزب الله في الانتخابات بالطبع ليس من مصلحة أحد، باستثناء شرائح معينة في الجمهور اللبناني والقيادة الإيرانية. إذا ما حصل هذا، فإنه لا أحد يضمن أن يسود الحدود الشمالية هدوء شاعري. ولكن في الوقت الذي يؤلف فيه حزب الله حكومة، سيكون لديه الكثير مما يخسره. تحول انتخابي سيضع لبنان بأسره، بمؤسساته وفروعه، تحت مسؤولية حزب الله. في حالة مواجهة عسكرية، ستكون حياة الجيش الإسرائيلي أكثر سهولة. أهدافه لن تختبئ تحت المقارّ الجوفية وفي المحميات الطبيعية في جنوب لبنان حيث سيكون الحكم نفسه هو الهدف.
الوضع مختلف في غزة: هناك لا قوات دولية تعرقل إطلاق صواريخ «القسام» على الحدود مع إسرائيل. غزة ليست دولة ذات سيادة، يمكن العالم أن يمارس عليها روافع ضغط ويجبرها على الاستجابة لمطالبه. كما أنها ليست جنة عدن مثل لبنان، من شأنها أن تخسر كل عالمها في مواجهة عسكرية لا طائل منها. «حماس»، مع كل الاحترام لتمسكها بالأهداف التكتيكية التي وضعتها لنفسها، لا تتميز بمسؤولية عميقة وبراغماتية، يتحلى بهما حزب الله الذي يستخدم القوة بوعي.
من تملكه الفزع لاقتراب إيران من الحدود الشمالية، يجب أن يتذكر أننا سبق أن كنا هناك. عشية حرب لبنان الثانية، كان حزب الله الذي وصفه هذا الأسبوع محلل لبناني مسيحي بأنه «كتيبة في الحرس الثوري الإيراني» يجلس على حدود دولة إسرائيل. كان هذا قبل سنتين فقط، وكان حزب الله الولد العاق للسياسة اللبنانية. كان سيئاً، بالطبع، ولكن في حينه لم يكن لدى حزب الله المسؤولية السلطوية على لبنان بأسره.