إيلي شلهوبلم تسارع الإدارة الأميركية الحالية إلى مساعدة حلفائها في لبنان، عندما دوّى أزيز الرصاص في بيروت. لا قواتها تحركت، ولا ثارت ثائرة دبلوماسيتها، كما كان البعض يتوقع.
على العكس تماماً. التزمت واشنطن الصمت لساعات، كانت خلالها بيروت قد سقطت بيد المعارضة. وعندما انتقلت المعارك إلى الجبل، لم تكن حتى التصريحات الأميركية بالحدّة المطلوبة، في ظل حال الانهيار التي بدت واضحة على من كان سيد البيت الأبيض لا يستطيع بدء يومه من دون تأكيد دعمه لهم وإشادته بهم.
ومع إشاعة نبأ توجّه المدمّرة «كول» عبر قناة السويس إلى المتوسط، كان هناك حرص على التأكيد على أن تحركها ليس سوى جزء من تدريبات روتينية، مع إيحاء بأنها موجّهة ضد سوريا.
وحده جورج بوش من غرّد خارج هذا السياق، وإن بـ«اعتدال»، ومعه متحدث باسم وزارة الخارجية تحفّظ على الاتفاق الذي توصلت إليه اللجنة العربية في بيروت، قبل أن تناقضه تسريبات أميركية نسبت إلى «مسؤول رفيع المستوى» تأكيده دعم واشنطن لمحادثات الدوحة.
«تخاذل» أميركي قد يكون البعض أخطأ في تحميله أكثر مما يحتمل: تخلٍّ أميركي عن الحلفاء في لبنان، وانكشاف عجز «رعاة البقر»، ومعهم الإسرائيليون، عن القيام بأي تدخل عسكري في بلاد الأرز.
التخلّي غير وارد لا اليوم ولا غداً لمجموعة من الأسباب، أوّلها أن ثورة الأرز تُعدّ «الإنجاز» الوحيد الذي نجحت إدارة جورج بوش في تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط، وثانيها لأنه حصل في بلد جعلته المقاومة، المتمثّلة بحزب الله، تهديداً وجودياً لإسرائيل، تسعى السلطات الحاكمة فيه، بدعم أميركي ـــــ سعودي ـــــ مصري، إلى القضاء عليه، أو تحجيمه بالحد الأدنى.
أما في ما يتعلق بـ«العجز» المزعوم، فيرتبط بمجموعة من المعطيات:
- التدخل العسكري، بيد أميركية أو إسرائيلية، يعطي ترخيصاً مفتوحاً للمجموعات المسلحة في المعارضة لتصفية جميع رموز الحكم الحالي بذريعة العمالة المثبتة لأميركا، أو لإسرائيل.
- تدخل كهذا لا بد أن يتدحرج نحو حرب أوسع، يرجّح أن تتوسع ساحتها، في وقت تبدو فيه الظروف العسكرية والأجواء الداخلية الأميركية والإسرائيلية لم تنضج بعد لشنّها.
- توقيت حرب كهذه، في ظل حالة الردع التي تمثّلها القوة العسكرية لحزب الله، ومن خلفه إيران، ومعهما سوريا و«حماس»، يبدو مرتبطاً بالأساس بعجلة إعادة إنتاج السلطة في الولايات المتحدة، حيث ترتفع أسهم شنّها كلما زادت فرص الديموقراطيين، وخاصة باراك أوباما، في الوصول إلى البيت الأبيض، وتنخفض مع تزايد فرص جون ماكاين. وذلك بعدما تبين، بحسب تصريحات كبار القادة العسكريين الأميركيين، أن الجيش الأميركي يعاني حال التمدد القصوى ويحتاج إلى إعادة تأهيل، بعد حربي أفغانستان والعراق، ما يجعله عاجزاً عن خوض غمار حرب ثالثة كبرى.
- الاستعداد العسكري الإسرائيلي، وخاصة كيفية التعاطي مع الجبهة الداخلية، التي باتت جزءاً من ساحة المعركة، في ظل حال من التخبّط السياسي، محوره فضائح أيهود أولمرت، وبالتالي مصيره وهوية خليفته وفترة السماح التي تفرضها عملية انتقال السلطة، وذلك في ظل حال من التمنّع عن خوض غمار حرب، تشير جميع التقديرات الإسرائيلية إلى أن كلفتها ستكون مرتفعة جداً في مقابل معقولية منخفضة للنصر فيها، ما يدفع العسكر إلى الضغط باتجاه بدائل او رافعات سياسية (سلام مع سوريا).
هكذا، وفي ظل تداعيات الأحداث الأخيرة، يبدو أن الولايات المتحدة تعتمد نهج «إدارة الأزمة» في لبنان، وتعطي فرصة للجهود العربية في هذا الصدد، برضى السعودية، التي تسعى إلى الحد من خسائرها في هذا البلد، وإن على مضض.
«إدارة» تزحزحت في خلالها الخطوط الحمر الأميركية، في ظل موازين القوى المحلية، باتجاه تسهيل تأليف حكومة «المشاركة» وقانون الانتخابات، في مقابل وضع سلاح حزب الله في دائرة النقاش الداخلي، أو بالأحرى جعله مهدافاً، بعدما نجحت عملية استدراجه إلى الأزقة الداخلية، ولكن من دون الوصول إلى حد التسليم بسيطرة المعارضة على مفاصل السلطة في البلاد. وذلك بانتظار إنضاج الظروف الإقليمية والدولية للخطوة المقبلة.
مرحلة يُرجّح أن يؤدي تجاوز الخطوط الحمر المستجدة فيها أو فشل تحجيم سلاح حزب الله في خلالها، إلى دفع رعاة الحكم الحالي في لبنان إلى تنفيذ الخطة «ب»، والمقصود سيناريو الفوضى (الأمنية)، «منظمة» كانت أو «خلاقة»، الذي يُخشى أن تكون محادثات الدوحة مجرّد ملهاة استكمالاً للتحضيرات له.