strong>تحتفل حكومة نوري المالكي، اليوم، بمرور سنتين على تأليفها. وفيما يعيد العراقيّون تقويم أداء الوزارة التي تعمل اليوم بنحو نصف أعضائها فقط، يبرز فشلها على أكثر من مستوى، إذ اتسمت نجاحاتها بالصبغة الإعلاميّة من دون أيّ نتائج ملموسة
بغداد ــ زيد الزبيدي
وُلدت حكومة المالكي في 20 أيّار 2006، خلفاً لحكومة إبراهيم الجعفري، بعد مخاض سياسي عسير، نتيجة خلافات كبيرة على اسم رئيس الوزراء وفريق عمله، فيما كانت البلاد تقف على حافّة حرب أهلية حقيقية، إثر تفجير مرقد الإمامين العسكريّين في سامرّاء في شباط من العام نفسه.
وفي ظلّ رهانات كبيرة على استكمال المصالحة الوطنيّة وإطلاق القوانين الكبرى محلّ الخلاف، كقانون المحافظات والنفط واجتثاث البعث، انطلقت الحكومة بستّة وثلاثين وزيراً، حصّة الأسد منهم للائتلاف العراقي الحاكم، الذي غنم بالإضافة إلى منصب رئيس الوزراء، 19 وزيراً آخر.
وتوزّعت باقي الوزارات على «التحالف الكردستاني» (سبعة وزراء بالإضافة إلى نائب لرئيس الوزراء)، و«جبهة التوافق العراقية» (ستة وزراء وأحد نوّاب رئيس الوزراء)، و«القائمة العراقية الموحدة» (ثلاثة وزراء)، فيما امتنعت كتلتا «حزب الفضيلة» و«الجبهة العراقية للحوار الوطني»، التي تعرف اليوم باسم «الكتلة العربية للحوار الوطني» عن دخول النادي الوزاري، احتجاجاً على توزيع الوزارات بطريقة المحاصصة الطائفيّة.
لم تكد الحكومة تكمل عامها الأول، حتى أعلنت «جبهة التوافق» انسحابها منها في آب من العام الماضي، على خلفية ما وصفته بالممارسات الطائفية للحكومة وتهميش حقوق العربّ السنّة، وتفرّد المالكي بالقرارات المهمة.
وفي نيسان من العام نفسه، انضمّت كتلة التيار الصدري إلى قائمة المنسحبين، بسبب رفض المالكي وضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال في المدى القريب.
تحوّل انسحاب الصدريين من الحكومة إلى انسحاب كامل في شهر أيلول من «الائتلاف العراقي الموحد»، الذي خسر أيضاً حزب «الفضيلة» وتيارات من «حزب الدعوة» الذي يرأسه المالكي، ولم يبقَ سوى جناح المالكي من «الدعوة»، و«المجلس الإسلامي الأعلى» برئاسة عبد العزيز الحكيم.
ورغم الإخفاق المستمرّ في إقرار قانون النفط، والمناطق المختلف على وضعيّتها السياسية ككركوك، تم إقرار بعض القوانين المهمّة، كقانون الموازنة وتعديل القانون السابق لاجتثاث البعث، وقانون المحافظات والانتخابات المحلية والعفو العام، وهي التي تُعرَف بأنها رزمة القوانين التي تشترط الإدارة الأميركية إقرارها لتحقيق ما تسمّيه «المصالحة الوطنية». لكن معظم الأطراف السياسية تشكّك في صحّة تطبيقها في ظلّ غياب القانون وسيطرة الميليشيات والفساد في أجهزة الدولة.
ويمثّل الملفّ الأمني الإخفاق الأبرز في أداء الحكومة. فرغم تراجع نسبة العنف بعد إقرار الخطة الأميركية بإغراق بلاد الرافدين بالتعزيزات وإنشاء «مجالس الصحوات» في مناطق نفوذ «القاعدة»، لا تزال نسبة هذا العنف مرتفعة، مما دفع ببعض السياسيين إلى إطلاق وصف «حكومة الجثث المجهولة» على وزارة المالكي، نسبة لارتفاع أعداد الجرائم وعمليات الاغتيال والقتل، التي لم يكشف من حقيقتها سوى القليل.
ولعلّ أبلغ تعبير عن الفشل الأمني للحكومة، هو المعارك الدموية التي شهدتها بلاد الرافدين في عهدها، بدءاً من أحداث كربلاء في آب بين الميليشيات الشيعية، التي قام على إثرها مقتدى الصدر بتجميد «جيش المهدي»، مروراً بما يعرف بأحداث مدينة «الزركة» في النجف التي أوقعت مئات القتلى في اشتباكات بين تنظيم «جند السماء» وقوات الاحتلال والقوات العراقية، وصولاً إلى أحداث البصرة الأخيرة وحصار مدينة الصدر التي أسقطت نحو عشرة آلاف ضحية بين قتيل وجريح.
ومن الناحية المعيشية، لا يزال مستوى الخدمات متدنّياً جداً، إذ لا يحظى المواطن بالكهرباء سوى لبضع ساعات يومياً، فيما تشحّ المياه الصالحة للشرب، وتشهد بعض المناطق طفحاً للمجاري. يضاف إلى ذلك جيش كبير من العاطلين عن العمل، بلغ رقم المسجلين منهم في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أكثر من مليون، فضلاً عن عدد كبير من المهجرين والمغتربين الذين لم تستطع الحكومة أن تساعدهم في العودة إلى ديارهم.
وتعكس طبيعة تولّي بعض الحقائب نوعية الخدمات التي تقدمها الوزارات، إذ إنّ وزارة النقل لا تزال من دون وزير. كذلك فإن وزارات العدل، والتعليم العالي، والشؤون الخارجية، والدولة لشؤون المرأة، والمحافظات، والدولة لشؤون المجتمع المدني، والثقافة، شاغرة ويقودها وزراء بالوكالة.
وفي تعليق للكتل السياسية على أداء الحكومة، رأى رئيس «جبهة التوافق»، عدنان الدليمي، أنّ الحكومة الحالية «متعثرة ولم تنجح في تقديم الخدمات للمواطنين»، حيث لم تستثمر العائدات النفطية الخيالية بطريقة صحيحة، «بسبب سيطرة المفسدين عليها في جميع أنحاء العراق».
وفيما اعترف النائب عن التحالف الكردستاني، محمود عثمان، بأن الحكومة «لم تنجح في تطبيق البرنامج الذي تم الاتفاق عليه قبل تأليفها»، شدد المتحدث الرسمي باسم «القائمة العراقية، عزت الشابندر، على أنّه «أصبح واضحاً للجميع أنّ حكومة المحاصصة الطائفية لا يمكن أن تأخذ العراق إلى حالة الاستقرار والسلم الأهلي».
وفي السياق، اتهم النائب عن «الكتلة العربية للحوار الوطني»، محمد الديني، الحكومة بأنها «لم تقدم على الصعيد الداخلي سوى على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وانتشار الميليشيات، وقتل الأبرياء». وأضاف أنّ هذه الحكومة «لم تقدم أي نوع من الخدمات إلى الشعب، بل إنها لم تستخدم، حسب الإحصائيات، سوى 4 في المئة من الموازنة لإعادة إعمار البلاد، وكذلك لم تقف موقفاً صارماً تجاه عمليات تهريب النفط وانتشار الفساد الإداري والمالي في دوائر الدولة».
وشذّ عن هذا الإجماع، موقف المجلس الأعلى الإسلامي، الذي رأى، على لسان النائب جلال الدين الصغير، أن حكومة المالكي «حقّقت تقدماً جدياً وكبيراً في المسائل الأمنية والسياسية والاقتصادية، خلال المدة الماضية»، مشيراً إلى أن «هناك أكثر من إنجاز تحقق في المجال السياسي، منها المصالحة الوطنية التي نجحت وبشكل كبير».