بعد عودة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى البيت الأبيض من جولته في الشرق الأوسط، لا يبدو أن الصورة تغيّرت إلى الأفضل، بل من الواضح أنها ازدادت قتامة، وما جاء في الجولة لا يعدو كونه تبريراً للتراجع عن الوعود التي كان قد قطعها في بداية عهده، و«شمّاعة الفشل» الأميركي واضحة: إيران وسوريا وحزب الله و«حماس»
واشنطن ــ محمد سعيد

فضّل الرئيس الأميركي، جورج بوش، فور عودته من جولته على المنطقة، التي دامت خمسة أيام، الاجتماع مع وزير ماليته هنري بولسون لمعرفة تطورات الأزمة الاقتصادية التي تعاظمت في عامه الأخير في البيت الأبيض، بدلاً من الحديث عن نتائج جولته التي لم تحقّق أياً من أهدافها، إذ أخفق الرئيس الأميركي في انتزاع اعتراف من السعودية بمسؤولية إنتاج النفط عن ارتفاع أسعاره؛ فرغم موافقتها على رفع إنتاجها بنحو 300 ألف برميل يومياً، استمرّت الأسعار في الصعود، ما يجعل شركات النفط الأميركية تحقق أرباحاً هائلة غير مسبوقة على حساب المستهلكين الأميركيين.
فجولة الأيام الخمسة لبوش، التي وصفتها وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بـ«المثمرة والبناءة»، لم تكن في حقيقة نتائجها كذلك، حيث سمع العرب والعالم الكثير من الجعجعة من دون رؤية طحين؛ فقد اتسمت خطابات بوش وتصريحاته في إسرائيل والسعودية وشرم الشيخ بالتسويف والتضليل في ما يتعلق باحتمالات قيام الدولة الفلسطينية في نهاية ولايته، فيما كان خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي يوم الخامس عشر من الشهر الجاري مستفزّاً لمشاعر الشعب الفلسطيني في الذكرى السنوية الستين لنكبته التي احتفل بنتائجها سيد البيت الأبيض مع حلفائه الإسرائيليين بتقديم تعهد بأمنهم مدى الحياة. كما أبدى استخفافه بقدر العرب ووزنهم على الساحة الدولية، ودعاهم إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة وإسرائيل في محاربة بني جلدتهم: «حماس» وحزب الله ومحاصرة إيران وعزل سوريا، وهو ما يعني زيادة خنق الفلسطينيين، وإدخال العرب في صراع مع جارتهم طهران.
وعززت جولة بوش تعميق الشكوك إزاء إمكان تحقيق رؤية الدولتين قبل أشهر من نهاية ولايته، بل إنه خفض التوقّعات حيال المدى الذي يمكن أن تبلغه حكومته في المساعدة في تحقيق هذا الحلم الفلسطيني من إعلان قيام الدولة إلى مجرد «تحديد» شكل هذه الدولة، وهو ما يعني أن قيام الدولة الفلسطينية نفسه سيظل رهينة لتقلبات المستقبل ومزاج الحكومات الأميركية المتعاقبة والمناخ السياسي في إسرائيل.
وفي شرم الشيخ، أدى بوش دور الواعظ، واعداً شعوب منطقة الحوض العربي ـــــ الإسلامي بالديموقراطية والحرية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، بينما غاب عن ذهنه 11 ألف أسير تعتقلهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فيما تستمر محاصرة مليون فلسطيني في سجن مفتوح.
ويرى محللون أن فشل بوش في عقد اجتماع ثلاثي بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) يشير إلى أنه لا شيء تحقّق في ما يتعلّق بمفاوضات الدولة الفلسطينية، رغم ادعاء رايس أن ثمة تقدّماً يحدث في المفاوضات وراء الكواليس، ما يوحي أن المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين سيخرجون يوماً ما قبل نهاية ولاية بوش ليزيحوا أستار الغموض ويعلنوا اتفاقاً ما.
ولصبّ المزيد من زيت البلبلة على نار التخبط في تحركات هذه الإدارة، ذكر مستشار بوش للأمن القومي، ستيفن هادلي، أن الرئيس الأميركي قد يعود مرة أخرى إلى المنطقة قبل نهاية ولايته في كانون الثاني المقبل «إذا كان هناك ما يمكنه القيام به لدفع عملية السلام»، وهو ما يبدد ثقة البيت الأبيض في التوصّل إلى شيء حقيقي.
صحيفة «واشنطن بوست» قالت في تقرير لها أوّل من أمس إن «إيران، التي تقدم الدعم لحزب الله وحماس وميليشيات مسلحة في العراق، تحقّق تقدماً مستمراً، فيما يخشى حلفاء الولايات المتحدة من أن حكومة بوش ليس لديها خطّة فعّالة للتغلّب على هذا الأمر». واعترف هادلي بوجود نجاح تكتيكي من جانب إيران في لبنان خلال الأحداث الأخيرة، التي حاول فيها حزب الله الظهور على أنه الطرف الأقوى في الدولة. إلا أنه أشار إلى أن «هذه الخطوة قد تكون في النهاية فشلاً استراتيجياً من خلال إضعاف ثقة الشعب اللبناني في حزب الله لأنه استخدم ميليشياته في محاربة القوات الموالية للحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة».
وليس الخطأ في الحسابات بالشيء الجديد على حكومة بوش، إذ يحفل سجلها بالأخطاء السياسية، بل والعسكرية، التي طالما سمعت من الكثيرين صرخات بضلالها في بدايتها، لكنها ما لبثت أن مضت في غيها عملاً بسياسة «الثبات على الدرب».
وقد أوضح ذلك الرئيس المصري حسني مبارك، في خطابه أمام مؤتمر دافوس الاقتصادي يوم الأحد، حين قال «إن الشرق الأوسط يتوق للسلام والتنمية. فهل تحقق وعد السلام؟ هل تبددت مخاطر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل؟ هل تحقق الاستقرار في العراق؟».
ومثلما وجد بوش في الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والانتفاضة الفلسطينية ذريعة للنكوث بوعده السابق بقيام الدولة الفلسطينية عام 2005، وكما أنحى باللائمة في الأخطاء التي وقعت قبل غزو العراق وأثناءه وبعده على الاستخبارات وعلى سوء قرار بعض الساسة دونه، لم يعدم بوش الحيلة في أن ينحي باللائمة في فشل جهود حكومته لتحقيق وعده بدولة فلسطينية على «حماس» وسوريا وإيران و«حزب الله»، فيما يظل الاحتلال الإسرائيلي في نظره الحليف المعصوم من الخطأ والضحية الأحق بالحماية.