Strong>محمد بديرسجل الخط البياني لتاريخ المفاوضات بين دمشق وتل أبيب بعض الارتفاعات، لكنه على الأغلب كان يميل نحو الانحدار مع اصطدام الحوار في كل مرة استؤنف فيها بأفق مسدود على خلفية التصلب السوري في مسألة خط الانسحاب ومراوغة الإسرائيلي بشأنه.
انطلقت الاتصالات الرسمية بين الجانبين في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، الذي انعقد غداة حرب الخليج الثانية في تشرين الأول عام 1991 برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قبيل انهياره. خلال المؤتمر، الذي رأس الوفد الإسرائيلي إليه رئيس الوزراء في حينه إسحق شامير، فيما مثل الجانب السوري وزير الخارجية السابق فاروق الشرع، تم الاتفاق على إطار رسمي للتفاوض بين إسرائيل وسائر الدول العربية. بعد نحو شهرين من المؤتمر، دُشنت في العاصمة الأميركية محادثات ثنائية بين ممثلين إسرائيليين وسوريين، لكنها بقيت عقيمة ولم تحرز أي تقدم في ظل الفجوات الكبيرة التي تكشفت بين مواقف الجانبين، وبقيت الحال كذلك حتى انتهاء ولاية اسحق شامير في رئاسة الوزراء الإسرائيلية منتصف عام 1992.
مع تسلم إسحق رابين لمقاليد الحكم في تل أبيب، أعطيت المفاوضات دفعاً جديداً في ظل رعاية الرئيس الأميركي الجديد، بيل كلينتون. وفي أيلول 1992، زار رابين الولايات المتحدة حيث أعلن استعداده للتباحث مع دمشق في مستقبل هضبة الجولان، ملمحاً إلى إمكان التنازل عن جزء منها في مقابل السلام، وهو العرض الذي قابلته سوريا بالإصرار على مطلب الانسحاب الكامل.
بعد نحو عامين من المراوحة، عاد رابين وقدم عرضاً علنياً للسلام مع سوريا، مقترحاً انسحاباً على مراحل من الجولان على شاكلة الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، مطلقاً عبارته الشهيرة «عمق الانسحاب كعمق السلام». في أعقاب ذلك، استضافت مدينة واي بلانتيشن في ولاية مريلاند الأميركية أربع جولات من المفاوضات، بين 27 كانون الأول 1995 و19 شباط 1996، إلا أن عدم التعهد الإسرائيلي بالانسحاب الكامل والخلافات التي ظهرت بشأن خط الانسحاب والترتيبات الأمنية حالت دون تحقيق أية نتيجة ملموسة.
في أيار 1996، فاز اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتانياهو في الانتخابات العامة، مع برنامج ينص على «أن أي اتفاق مع سوريا يجب أن يرتكز على السيادة الإسرائيلية في الجولان». لكن الاتصالات بين الدولتين لم تنقطع، وإن انتقلت إلى الكواليس، حيث استعان نتانياهو بصديقه المليونير الأميركي رون لاودر لإيصال الرسائل إلى الجانب السوري من دون أن يؤدي ذلك إلى أي اختراق. وفي عام 1999، كشفت الصحافة الإسرائيلية وثيقة أعدها لاودر تلخص الاتصالات التي أدارها بين دمشق وتل أبيب وتظهر أن نتانياهو كان مستعداً لإعادة الجولان إلى سوريا.
في 8 كانون الأول 1999، أعلن الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، استئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل وسوريا «انطلاقاً من النقطة التي توقفت عندها» من دون أن يحدد هذه النقطة، وذلك بعدما انتخب الزعيم العمالي إيهود باراك رئيساً للوزراء في إسرائيل في أيار من العام نفسه. في كانون الثاني 2000، انطلقت مفاوضات ماراتونية بين الجانبين في مدينة شيبردستاون الأميركية في ولاية فيرجينيا، أشرف عليها الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته، مادلين أولبرايت، شخصياً، فيما تولى كل من باراك والشرع شخصياً تمثيل دولتيهما فيها. لكن الجولة الجديدة ما لبثت أن توقفت بعد أسبوع إثر وصولها إلى طريق مسدود، وأشارت تقارير صحافية في حينه إلى أن النقطة التي فجرت المفاوضات تمحورت حول ترسيم الخط الحدودي بين الجانبين: باراك وافق على الانسحاب حتى خط الحدود الدولية لعام 1923 مع إزاحة هذا الخط غرباً ليمر على بعد عشرة أمتار من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، بيد أن دمشق رفضت العرض.
حاول كلينتون تدوير الزوايا السورية فاجتمع في جنيف إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد في 27 آذار، لكن محاولته فشلت في إعادة دمشق، المصرّة على تعهد بالانسحاب حتى خط الرابع من حزيران 1967، إلى طاولة المفاوضات.
في السابع من شباط 2001، أعلن الرئيس السوري الجديد، بشار الأسد، الذي تولى الرئاسة إثر وفاة والده في حزيران 2000، استعداد دمشق لاستئناف المفاوضات مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، إلا أن العرض السوري، الذي تكرر في كانون الأول 2004 ، لم يلق أي تجاوب من جانب تل أبيب.
التمنع الإسرائيلي كان انعكاساً مباشراً للمراهنة على مفاعيل الاحتلال الأميركي للعراق، حيث ترقب كل من تل أبيب وواشنطن أن يفضي ازدياد الضغط على دمشق إلى لجوئها نحو بيت الطاعة الأميركي من دون الاضطرار إلى مقايضتها ذلك بأي أثمان سياسية.
بيد أن الوقت أظهر مدى هشاشة هذه الرهانات حيث بقي التصلب السوري العلامة الفارقة على مدى الأعوام الأربعة التي تلت احتلال العراق، وهي فترة تخللها الكشف، منتصف العام الماضي، عن اتصالات غير رسمية أجراها المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق، ألون ليئال، بالجانب السوري بوساطة رجل الأعمال الأميركي السوري الأصل، إبراهيم سليمان.
وفي 24 نيسان الماضي، كشف الأسد عن وجود وساطة تركية تعمل منذ عام لاستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل، مؤكداً أنه تبلغ من انقرة استعداد إسرائيل للانسحاب من الجولان في مقابل السلام. ولم يلبث رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، الذي فضل عدم التعليق على الإعلان السوري، أن أكد مضمونه في مقابلة صحافية مطلع الشهر الجاري.
وفي 21 أيار الجاري، أعلنت إسرائيل وأنقرة ودمشق بشكل متزامن أن مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة تجرى في اسطنبول بوساطة تركية.



عقبات تحول دون الاتّفاق

في ما يلي استعراض لأهم العقبات التي تعترض المفاوضات السورية الإسرائيلية، كما صنفتها صحيفة «هآرتس»:
- الفجوة بين المطلب السوري بانسحاب إسرائيل إلى خط الرابع من حزيران 1967 وموقف إسرائيل القاضي بأن الانسحاب يجب أن يكون حتى الحدود الدولية. وعلى الرغم من أن الفجوة بين الموقفين لا تتعدى بضع مئات الأمتار، إلا أن إسرائيل ترفض وصول الحدود السورية إلى خط المياه في شمال شرق بحيرة طبرية.
- قضية المياه، إذ ترفض إسرائيل أن تشاركها سوريا استخدام مياه بحيرة طبريا. وبحسب «هآرتس»، فقد أعلنت سوريا، التي تعاني من شح في المياه، أمام الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي زارها أخيراً، أنها مستعدة للالتزام بعدم ضخ مياه من بحيرة طبرية، لكنها تتوقع الحصول على تمويل إنشاء معامل تحلية مياه وتعهد تركي بتزويدها بمياه.
- الجدول الزمني لإخلاء المستوطنات الإسرائيلية من هضبة الجولان: قبلت إسرائيل بإخلاء المستوطنات خلال 10 أعوام، فيما يصرّ السوريون على أن يتم ذلك خلال خمس سنوات.
- العلاقات بين سوريا وكل من إيران وحزب الله والمنظمات الفلسطينية التي لديها مقارّ في دمشق: تصرّ إسرائيل على أن تلتزم سوريا مسبقاً بقطع علاقاتها مع هذه القوى، فيما اقترح السوريون طرح هذا الموضوع على طاولة المفاوضات لبحثها معاً، إضافة إلى القضايا الأخرى.
- إصرار سوريا على ضلوع الولايات المتحدة في عملية السلام وأن تغير موقفها من دمشق.
- جعل المنطقة السورية الواقعة شرق الحدود التي سيتم الاتفاق عليها منطقة منزوعة السلاح، وقد وافقت سوريا على ذلك شرط على أن يكون الأمر متبادلاً في الجانب الإسرائيلي أيضاً.
- تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ ليس واضحاً بالنسبة إلى الدولة العبرية بعد ما إذا كانت سوريا ستوافق على البدء بتطبيع العلاقات فوراً أم أنها ستربط ذلك باتفاق سلام مع الفلسطينيين.
- قانون هضبة الجولان الذي سنّه الكنيست في عام 1981 وضمّ الهضبة المحتلة عملياً لإسرائيل.