باريس ــ بسّام الطيارةساركوزي يفعل ما يقول، وها هو يبرهن على ذلك بمتابعة «برنامج القطيعة» التي وعد بها آخذاً فرنسا في مسالك «المحافظين الجدد». فبعد الإصلاحات الضريبيّة التي لا يزال المعلّقون يصفونها بـ«هدية إلى أصدقاء الرئيس» والتي تكلّف الخزينة ١٥ مليار يورو سنويّاً، وسلسلة من قوانين العمل «المتطرّفة بليبراليتها» التي أنزلت عدداً لا يستهان به من التظاهرات وسبّبت تراجعاً كبيراً في شعبيته، ها هو الرئيس يفتح مشاريع جديدة يمكنها أن تمهّد لنزول تظاهرات أكبر إلى الشوارع.
إلّا أنّ هذه الاندفاعة التي لا تنتظر انتهاء «مشكلة للدخول في مشكلة أخرى»، فتحت العيون على ما يشير إليه البعض بأنّه «أسلوب ساركوزي الهجومي العنيد والمتصلّب»، وباتوا يرون من خلاله أنّ ساكن الإليزيه «سياسي متعصّب لأفكاره»، يبحث عن تحقيقها والوصول إلى فرضها مهما تكن النتائج حتّى ولو كان ثمن ذلك تراجع شعبيّته.
ففي مسألة مدّة سنوات العمل، التي يريد ساركوزي جعلها 40 سنة قبل التقاعد مع إمكان فتح باب للذين تجاوزوا ٦٤ سنة تحت شعار «مشاركة الشيوخ»، فإنّ نسبة كبيرة من الفرنسيّين وصلت إلى نحو ٦٤ في المئة تعارض هذا التوجّه. ويتّفق الجميع على ضرورة بحث مسألة «ميزان صندوق التعويضات»، ولكن يفضّلون ألّا يكون هذا على حساب إطالة سنين العمل، بل بفتح أبواب العمل أمام العاطلين من العمل بحيث تسهم رسومهم بسدّ العجز.
ويتّفق الجميع على أنّ «الذهاب إلى نوع من الخصخصة» لصندوق التعويضات الاجتماعية، هو توجّه سوف يفرض نفسه على الفرنسيّين إذا لم تعمل الحكومات على خلق فرص عمل تستوعب العاطلين. وسوف يقود هذا التوجه العام لسياسة ساركوزي إلى أن «يدّخر كل عامل ما سوف يشكل معاش تقاعده» على نسق «نظام شركات التأمين المتبع في أميركا».
ويرفض فريق عمل ساركوزي «محاكمة النيات» التي يوجّهها معارضو القوانين الجديدة. ويقول رئيس الوزراء فرنسوا فييون إن هذا التوجه قد قُرّر «وقبله الفرنسيون» خلال الانتخابات الرئاسية، في إشارة إلى البرنامج الانتخابي لساركوزي الذي انتُخب على أساسه.
ولم يعد أحد يستطيع إنكار أثر المحافظين الجدد في سياسة ساركوزي الذي يغيّر ببطء، ولكن بحزم، وجه فرنسا الاجتماعي.