strong>حين يعلن وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، أن عام 2008 هو «عام تعزيز التعاون بين إيران والدول الأفريقية»، فإنه يقصد بذلك التوجّه الإيراني نحو القارة السمراء لإيجاد بدائل اقتصادية عن خيارات أوروبية وغربية فقدتها الجمهورية الإسلامية بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها
معمر عطوي
ربما كان التقارب الإيراني ـــ الأفريقي، أحد تجليّات فلسفة وزير الخارجية الإيرانية، منوشهر متكي، التي تسير باتجاه «تعزيز العلاقات مع دول قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية، وتشجيع الاستثمارات الإيرانية في أفريقيا، والحوار بين الجنوب والجنوب».
لكن هذا التركيز الإيراني على منطقة مشحونة بالنزاعات القبلية وبالتجاذبات الأميركية ـــ الفرنسية، هو، بالدرجة الأولى، محاولة لتخطّي المشكلات الاقتصادية والاستثمارية التي تعانيها إيران بسبب العقوبات والضغوطات الدولية عليها، على خلفية برنامجها النووي.
لعلّ إرهاصات هذه العلاقات التي تسير مع أفريقيا نحو الأفضل، بدأت بزيارات مكثّفة ومتبادلة في السنتين الأخيرتين، بين القادة الأفارقة والمسؤولين الإيرانيين. زيارات أنتجت رؤىً جديدة كانت حاضرة على هامش اجتماع قادة الدول الأفريقية في أديس أبابا، في شباط الماضي، من خلال مداولات وزير الخارجية الإيراني مع رؤساء كل من الجزائر وموريتانيا ومالاوي وزيمبابوي وناميبيا ورئيس وزراء ليسوتو ورئيس المجلس الاتحادي الإثيوبي. كان سبقها ملتقى الفرص التجارية الإيرانية ـــ الأفريقية، في طهران في تشرين الثاني الماضي.
أول الغيث كان انتزاع مواقف عديدة تؤيد المشروع النووي الإيراني السلمي. وتالياً وُقّع العديد من الاتفاقيات التجارية، وأخرى للتعاون الصناعي والاستثمارات مع دول عديدة مثل غانا وكينيا والكونغو وأريتريا والسنغال وغيرها.
في التفاصيل العملية التي تؤكد تقدم الروابط بين إيران والقارة السمراء: عزم كل من طهران وغانا على توظيف متبادل للاستثمارات، وتوقيع مرتقب لمذكرة تتعلق بمجالات التعاون في المحافل الدولية وبناء منشآت البنى التحتية والتجارة والزراعة وصناعة السيارات والطاقة. هذا ما أُعلن عنه خلال زيارة وزير خارجية غانا، أكواسي أوسي أدجي، إلى طهران الثلاثاء الماضي.
زيارة تمخّضت عنها رغبة أفريقية بعلاقات جديدة تأتي من خارج جدلية المستعمِر والمستعمَر، التي سادت القارة السمراء لقرون عديدة، عبّر عنها أدجي بقوله «إن أفريقيا بدأت عهداً جديداً من العلاقات.. نحن لا نريد أن تكون ثرواتنا موضعاً للنهب.. نريد أصدقاء يأخذون بأيدينا نحو التقدم والازدهار للطرفين».
ومن الواضح أن العلاقات الاقتصادية هذه، تحاول طهران توظيفها في معركتها السياسية مع الغرب، من خلال توسيع مروحة الدول التي تؤيد البرنامج النووي السلمي لإيران، وتدافع عنها في المحافل الدولية، لا سيما أن بعض الدول، مثل جنوب أفريقيا وليبيا، أدت هذا الدور لمصلحة طهران من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي. من هنا كان تشديد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، خلال استقباله رئيس جمهورية أريتريا أسياس أفورقي، الشهر الحالي، على أن دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بإمكانها تغيير العلاقات الدولية الراهنة من خلال تطوير التعاون في ما بينها.
في السياق نفسه، تأتي زيارة رئيس مجلس الشيوخ السنغالي، باب ديوب، إلى إيران، الثلاثاء الماضي أيضاً، لتؤكد أهمية علاقات طهران مع داكار، حيث أنشأت الأولى مصنعاً ضخماً للسيارات. ودخل البلدان أيضاً في علاقات عسكريّة من شأنها «توفير الاحتياجات الدفاعية للسنغال في مختلف المجالات»، خلال زيارتين قام بهما وزير الدفاع السنغالي، بكاي جيوب، إلى طهران في غضون العامين الأخيرين.
المغزى السياسي لهذه العلاقات عبّر عنها الرئيس محمود أحمدي نجاد نفسه، أثناء استقباله وزيري الطاقة والنفط والإسكان في جمهورية الكونغو، حين شدّد على أن علاقة طهران مع برازافيل، تتجاوز المصالح الاقتصادية، وأن «كلا البلدين يواجهان الأعداء أنفسهم»، وأن التعاون بينهما «لا يعود بالفائدة على الشعبين فحسب، بل سيعود بالفائدة على السلام والأمن العالميين أيضاً».
ولعلاقة طهران بالسودان قصة أخرى، بدأت منذ وصول الإسلاميين إلى السلطة في الخرطوم أواسط الثمانينيات. وكانت إحدى ثمار هذه العلاقات توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الدفاعي بين البلدين في 7 آذار الماضي.
طبعاً، الشمال الأفريقي أيضاً، له علاقات جيدة مع إيران، وخصوصاً أن دول هذه المنطقة ذات غالبية إسلامية. وهناك اتفاقات مهمة على صعيد التعاون في مجال الطاقة بين الجزائر وإيران، لا سيما أن البلدين من الدول المنتجة للغاز.
وعلى الجانب الليبي، قام النائب الأول للرئيس الإيراني، برويز داودي في 27 كانون الأول 2007، بزيارة إلى طرابلس الغرب، وأشرف، إلى جانب رئيس الوزراء الليبي بغدادي المحمودي، على التوقيع على 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم، على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية.
وبالعودة إلى مرحلة حكم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، فإن التوجّه الإيراني أفريقياً، دخل مخاضه مع زيارات قام بها الرئيس الإصلاحي إلى سبع دول أفريقية في كانون الثاني 2005. وكانت مبادرة مثّلت بالفعل منعطفاً مهماً في مسيرة تحسين العلاقات بين الطرفين. وخصوصاً أن أفريقيا تمثّل للجمهورية الإسلامية بوابة نحو العالم عبر المياه الدوليّة، وتوفّر لها أسواقاً تجارية على المحيطين الهندي والأطلسي. فيما تؤمّن لها أيضاً المواد الخام الطبيعية.
أما في ما يتعلق بمستوى التبادل التجاري، فإن التقديرات تشير إلى أن حجمه بين إيران والدول الأفريقية يصل إلى حوالى 300 مليون دولار سنويًّا وهو مرشَّح للارتفاع خلال السنوات المقبلة، كما تسعى إيران لإقامة بعض التكتلات مثل التكتل الأفريقي ـــ الآسيوي.
في الأفق القريب، قد يكون الاجتماع المرتقب لمساعدي وزراء خارجية إيران والدول الأفريقية، الذي يعقد في طهران قريباً، إحدى الخطوات المهمة لتعزيز فكرة متكي بشأن اقتحام الدولة الفارسية للقارة السمراء، بحثاً عن متنفس بديل يخفف من تداعيات العقوبات على النظام الإسلامي.