باريس ـــ بسّام الطيارةويقول المعترضون على هذا البند إنّه يفتح الباب عريضاً لعودة المجتمع إلى الوراء، وإنه «هدية للمدارس الدينية» التي يتزايد عددها من فترة قصيرة، ويصبّ في توجّه «سياسة المحافظين الجدد» التربويّة والاجتماعية.
ومن المعروف أنّ القانون الأساسي للتربية «يحثّ الأكاديميات التعليمية» على تشجيع «مساواة فرص التعليم بين الجنسين».
ويرى الخبراء أنّ إلغاء اختلاط الجنسين في المدارس يعيد فتح ملف قديم كان يفصل بين «الحداثيين وبين المتمسّكين بالنظام القديم». ويقول الذين يحاربون الاختلاط إنّ عوامل عديدة، وأسباب منها العوامل الاجتماعية، تدفعهم للمطالبة بإلغاء المدارس المختلَطة. وعند هذه النقطة يشير هؤلاء إلى ارتفاع نسبة العنف في المدارس المختلطة، وخصوصاً العنف الجنسي، وإلى انعدام «الاحترام للفوارق بين الجنسين».
ويرى المتشدّدون منهم أنّ الاختلاط في المدارس «مؤذٍ أدبياً» لأنه يسمح للبنات والصبيان بالدراسة والتنافس والاستماع إلى مواضيع واحدة أو «خوض مباريات مشابهة»، في حين أنهم «غير متشابهين».
إلّا أنّ أكثر مناوئي الاختلاط «رجعيةً وتشدّداً» يشيرون إلى أنّ الأمر «يتعلق بعوامل تربوية»، ويفسّرون هذا بأن «التفاوت بين الذكور والإناث» قد يمثّل عائقاً أمام «تراجع نتائج البنات» في السباق نحو العلم بسبب حيائهن!
ويسخر أحد النقابيّين المعلّمين من هذا النمط الفكري بالتشديد على أنّ «ساركوزي يحضّر لنا عودة البنات لتعلم الخياطة والشباب ميكانيك السيارات». ويستطرد بأنّ إصلاح العوامل التربوية والاجتماعية التي لا ينكر أحد وجودها، لا تتمّ عبر «فصل المجتمع والعودة إلى الوراء»، بل عبر «توعية الجهاز التربوي وتدريبه»، وخصوصاً عدم الوقوع في فخّ «التقسيمات الإثنية» في ما يتعلق بالضواحي و«التقسيمات الطبقية» في ما يخصّ «تفاوت المداخيل»، بحيث باتت مدارس الأحياء الغنية تحظى بأحسن العناصر التربوية وأحسن التجهيزات.
ويضيف النقابي نفسه أنّ الحكومة بدأت تطبّق «تقسيمات جنسيّة» تشجّع على انخراط المواطنين في «أنظمة المدارس الخاصة» والابتعاد عن نظام المدارس الرسمية، وبالتالي عن «علمانية الجمهورية». ويرى عدد من المراقبين أن الرئيس الفرنسي مهّد للعودة إلى الخطاب الديني ـــ المحافظ بعد أن «مجَّد العودة إلى القيم الدينية» في خطابه في الفاتيكان، وذلك بعد فترة وجيزة من خطابه في حضرة الملك السعودي، وهو ما رأى البعض فيه «إعلاءً لقيمة الدرس الديني على الدرس المدني». وهو أيضاً إعادة نظر في النظام الجمهوري القائم منذ الثورة الفرنسية وقوانين فصل الدين عن الدولة (٩ كانون الأول عام ١٩٠٥). هكذا من المؤكّد أنّ ساركوزي يتابع طريق «القطيعة» المعبَّد بقناعات لا يتفق عليها عدد كبير من المواطنين الفرنسيين. فالعلمانية في فرنسا هي أقرب مفهوم بديل في أذهان الفرنسيين عن «دين الدولة». ويراها هؤلاء من المبادئ الرئيسية للفكر التقدّمي للبلاد منذ القرن الثامن عشر. وقد نظر مفكّرو التنوير الفرنسيين مثل فولتير وديدورو ومونتسكيو إلى الدين على أنه عامل تفريق وظلام وتعصّب، قبل أن تأتي الدولة في مطلع القرن الماضي وتنظّم الممارسة الدينية بعيداً من مفاصل الدولة، ممّا خفّف من تشنُّج المجتمع أمام هذه المسألة. ويفسّر بعض المطّلعين على تفاصيل القانون ـــ الفاجعة وحيثيّاته بالنسبة للبعض، بأنّه يسعى لـ«تسوية أوضاع بعض المدارس الدينية الخاصة» التي تطبّق مبدأ فصل الجنسين. وفي غياب هذا القانون، فإن هذه المدارس لا تستطيع الاستفادة من أي مساعدة من الدولة، إذ إنّ قانون ١٩٠٥ يمنع بشكل صارم أي تمويل من الدولة لأي مدرسة تخالف قوانين العلمنة، أي القوانين المتّبعة في المدارس الرسمية. وهنا يتذكّر البعض «وعود المرشّح ساركوزي» لليمين وللجماعات الدينية الإسلامية والكاثوليكية واليهودية بالتخلص من قانون ١٩٠٥، وفتح باب تمويل المساجد والكنائس والجمعيات الدينية.
ويستعدّ علمانيّون من كل التوجهات السياسية من اليمين ومن اليسار للتحرك، في محاولة لمنع إقرار قوانين «تهدّد أسس العلمانية» التي يراها هؤلاء مدماكاً مؤسّساً في الحداثة والتقدم. ويتخوّف هؤلاء من أنّ التوجه العام لمعتقدات الرئيس في «دكّه حصون العلمانية» يمكن أن تترك أثراً بالغاً في المجتمع الفرنسي، وخصوصاً أن حلفاء ساركوزي، رغم انتمائهم إلى «الفضاء الديني»، فإن دعمهم له مبني على «غاية في نفس يعقوب».
ويمكن أن تمثّل المفارقات السياسية والتباينات بين هؤلاء «الحلفاء» الممتدّين من أقصى اليمين الفاشي إلى أقصى أطراف الإسلام السلفي الفرنسي، مروراً بالجمعيات اليهودية اليمينية المتطرفة، خليطاً متفجراً في أيدي المتلاعبين في نيران سحق العلمانية في فرنسا.