آذار «أسود» للمنظّمة خسرت خلاله ثلاثة من أبرز قادتها
بول الأشقرويرجح أن يكون مانويل مارولاندا قد توفي إثر نوبة قلبية. ورغم أن المنظمة لم تؤكّد الخبر، إلا أن صمتها يرجح صحّة الوفاة، ولا سيما أنها في حالات سابقة تأخرت أسابيع وأحياناً أشهراً قبل إعلان وفاة زعمائها.
ومع تأكد الخبر، يكون شهر آذار «شهراً أسود» لمنظمة «الفارك»، التي خسرت خلاله ثلاثة من قادتها الكبار الذين يؤلفون الأمانة العامة السباعية: راوول ريّس في الغارة التي نفذها الجيش الكولومبي على مخيم في الإكوادور، وكادت أن تفجر حرباً إقليمية، وإيفان ريوس الذي اغتاله جهازه الأمني للحصول على المكافأة التي يقدمها الجيش، وأخيراً مانويل مارولاندا، زعيم المنظمة منذ تأسيسها.
ولد مانويل مارولاندا، واسمه الحقيقي بيدرو أنطونيو مارين، عام 1930. وقد تبنّى الاسم الذي عرف به وفاءً لزعيم نقابي تمّ اغتياله. وهو ابن عائلة زراعيّة ليبرالية هرب إلى الأدغال عندما وصلت الميليشيات المحافظة إلى بيته بعد اغتيال الزعيم الليبرالي التقدمي خورخي غايتان عام 1948. ونجح في التقرّب من مجموعات أخرى ليبرالية أو شيوعية هاربة مثله من قمع الدولة. وهو معروف أيضاً باسم «تيرو فيخو» أي الرمي الثابت لمهارته في التسديد.
وتقرّب مارولاندا من القائد الشيوعي جاكوبو أريناس، الذي تحوّل إلى صديقه ومرشده السياسي في الخمسينيات، والذي بقي معه حتى وفاته عام 1990. وقد أسّسا «الفارك» عام 1964 بعدما نجَوَا مع 48 من أتباعهما من هجوم ضار استعمل فيه الجيش الطائرات. وقد شكلت «معركة ماركيتاليا» الأسطورة التأسيسية في ولادة «الفارك».
وكان مارولاندا ـــ وهو أقدم زعيم حرب عصابات حيّ في أميريا اللاتينية ـــ مادة لحياكة الأساطير العسكرية، وقيل إنه قاوم لوحده فصيلاً من الجيش، وخصوصاً أن الجيش أعلن قتله عشرات المرّات، وزعت الحكومة في إحداها على الصحف صور دفنه. ولمانويل مارولاندا سبعة أولاد نتيجة علاقاته مع عدد من المقاتلات. ويقال إنه خلال الستين سنة الأخيرة لم يخرج من الأدغال إلا لليلة واحدة أمضاها في مدينة صغيرة.
نمت «الفارك» بين عامي 1974 و1982 في الأرياف قبل أن تقرر الانتقال من حرب العصابات إلى «الحرب الشعبية» ما أدى إلى فتح 48 جبهة في كولومبيا. وعام 1984، وقّع مانويل مارولاندا اتفاق وقف إطلاق نار وتحوّل عدد كبير من كوادر «الفارك» إلى حزب سياسي اسمه «الاتحاد الوطني»، إلا أن إبادة آلاف منهم كانوا التحقوا بالعمل المدني طوت سريعاً هذه الصفحة. ولتنظيم المناطق الشاسعة التي أخذت تسيطر عليها، بدأت «الفارك» تتقاضى ضريبة على مناطق زرع المخدرات وتلجأ إلى عمليات الخطف لتمويل ميزانيتها. وفي نهاية التسعينيات، تقاربت «الفارك» من المرشح المحافظ أندريس باسترانا، وبعد فوز هذا الأخير في الانتخابات عام 1998، جرت اجتماعات بين الرئيس المنتخب ومانويل مارولاندا وقبلَ الجيش الانسحاب من منطقة مساحتها أكثر من أربعين ألف كيلومتر مربع خلال المفاوضات. إلا أن انهيار المفاوضات عشية الانتخابات عام 2002، عبّد الطريق لانتخاب ألفارو أوريبي إلى سدّة الرئاسة وبرنامجه الحرب من دون هوادة ضد «الفارك».
وتشكل وفاة مانويل مارولاندا ـــ إذا تأكّدت ـــ ضربة معنوية كبيرة لـ«الفارك» وربما خللاً لا يعوّض، وخصوصاً أنها تحصل في ظروف عسكرية وسياسية غير مناسبة. وفيما يرى بعض المحللين ـــ ومضمون كمبيوتر راوول الريّس ـــ أن مارولاندا كان العمود الفقري لكل التوازنات الداخلية والوحيد القادر على الحسم في ظروف معاكسة، يرى البعض الآخر أن الحدث له مضمون رمزي كبير، ولكنه لن يؤثر على الوضع السياسي أو العسكري القائم منذ استعادة جيش أوريبي المبادرة المطلقة على اللامركزية بين الجبهات.
ومن المفترض أن يتسلّم أمانة «الفارك» ألفانسو كانو، تلميذ أريناس وعمره 57 سنة، وهو طالب أنتروبولوجيا شيوعي أتى من بوغوتا، وكان قد عيّنه مارولاندا وريثاً له. التحق بـ«الفارك» عام 1967 وهو أبرز منظّري المنظّمة. وفي الأشهر الماضية قيل إنه جرح، ويقول الجيش إنه يحاصره الآن في وسط جنوب البلد.