سجال بشأن الطوارئ ومحاكمة أحمد عزّ وحال «الإخوان»وائل عبد الفتاح
تنشغل القاهرة هذه الأيام بثلاثة ملفات كبيرة: الرئيس و«الإخوان المسلمون» والثروة. ولا يمر يوم إلا هناك حدث تتقاطع فيه هذه الملفات الكبيرة مع حدث كبير، فالرئيس حسني مبارك مثلاً مشغول هذه الأيام بترشيح رئيس لمجلس الدولة، أكبر جهاز قضائي مختص بحسم قانونية القرارات الحكومية. الرئيس المرشح نبيل ميرهم مسيحي وديانته سبب غير معلن لاعتراض المجلس الخاص الذي عليه اختيار رئيس مجلس الدولة الجديد بعد ترشيح من رئيس الجمهورية. معركة جانبية، لكنها تشغل المجتمع القضائي وتكشف عن استقطابات مكتومة. وهناك خبر آخر مرّ كالصدمة في صحف أول من أمس، وهو تصريح وزير المالية بطرس غالي بأنه ربما تضطر الحكومة إلى رفع الأسعار مجدداً. ربما هذا أهم خبر لقطاعات تنتظر أياماً صعبة في المرحلة المقبلة.

«الطوارئ»: تجديد أم إلغاء؟

مبارك لم يصدر حتى الآن قراره بتجديد حالة الطوارئ، ولا مدّ قانون الطوارئ الذي سينتهي العمل به خلال أيام مع نهاية أيار الجاري. صحف القاهرة (مستقلة وحكومية) نشرت أخباراً في الأيام الماضية، قالت إنها تسربت من كواليس عليا، تفيد بأن مجلس الشعب سيناقش اليوم أو غداً طلب الحكومة والرئيس بمدّ حالة الطوارئ المستمرة منذ اليوم الأول لتولّي مبارك رئاسة الجمهورية. الصحف تحدثت عن اجتماعات سرية في مقر الحزب الوطني الحاكم ومفاجأة الحكومة بعرض الطلب على المجلس، ضمن بيان يلقيه رئيس الحكومة أحمد نظيف. وتضاربت التسريبات بين أن يكون المدّ سنة أو سنتين أو ربما إلى عام ٢٠١١ موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر.
الحكومة لم تؤكّد التسريبات ولم تنفها، واكتفت الأسبوع الماضي بنشر خبر عن طلب وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي بمدّ الطوارئ، رغم أن مبارك في برنامجه الانتخابي (٢٠٠٥) أشار إلى أن ٢٠٠٨ ستكون آخر سنة للطوارئ، وهو ما نص عليه في قرار التمديد الذي ينتهي العمل به بعد أيام. وتطالب القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني منذ سنوات طويلة بإلغاء قانون الطوارئ وحالته، التي تعدّ المسؤولة الأولى عن قمع الحريات السياسية، حيث تمنح الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة في الاعتقال.
رغم هذه التسريبات، هناك من يتوقع بأن يكون تسريب خبر التمديد مجرد لعبة سياسية تمهّد المناخ السياسي باستمرار حالة الطوارئ، ثم يخرج الرئيس ويعلن أنه رفض طلب الحكومة بالتمديد في سبيل تدعيم الديموقراطية. والخطوة التالية تقديم قانون الإرهاب للمناقشة في مجلس الشعب وإقراره باعتباره قانوناً «ديموقراطيّاً» ينهي حالة الطوارئ الاستبدادية.
هذه التوقعات تؤيّدها تصريحات من نواب الحزب الحاكم بأنه لم تصدر لهم تعليمات بضرورة حضور جلسات هذا الأسبوع. لكن مصادر في منظمات المجتمع المدني تحدثت عن أن إلغاء الطوارئ سيضع الحكومة أمام مأزق قانوني، حيث ستضطر إلى الإفراج عن معتقلين احتجزوا من دون أحكام قضائية ووفقاً لقانون الطوارئ، ويتراوح أعدادهم بين ١٨ إلى ٢٥ ألف معتقل، بحسب تقديرات المنظمات حيث تمتنع وزارة الداخلية المصرية عن إصدار رقم رسمي بأعداد المعتقلين السياسيين.
سيناريو مفاجأة الرئيس بإلغاء الطوارئ لا يبعث على التفاؤل عند من اطّلع على مسودات قانون الإرهاب البديل، والذي استشارت فيه الحكومة المصرية خبرات أميركية. ومن سيرى القانون الجديد سيترحم على أيام الطوارئ.

التحقيق مع ملياردير الحديد

ينتظر غالبية المصريين خبر الموسم: القبض على أحمد عز، الملياردير الشهير والمقرّب من جمال مبارك، الذي يشغل أيضاً رئاسة لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب، ويدير لجنة التنظيم في الحزب الوطني الحاكم. لكن سبب انتظار محاكمته لا تتعلق بكل هذا بل بسبب واحد فقط: احتكار حديد التسليح ورفع أسعاره ليصل حالياً إلى ٧٥٠٠ جنيه، ويتحرك بقوه ليصل إلى ٨٠٠٠ جنيه (١٦٠٠ دولار) للطن الواحد.
وفي الفترة الأخيرة، انتقل عز من احتكار الحديد إلى قيادة نواب مجلس الشعب لرفع أسعار البنزين، وهو ما حوّل حياة قطاعات واسعة من المصريين إلى جحيم، ما كرّس صورة عز كعدو للشعب على حدّ وصف جماعة «مصريون ضد الغلاء».
الآن أحمد عز «مرشح للتضحية به وتقديمه كفدية للشعب الغاضب من النظام والحكومة». هذا ما يتردّد في أوساط الحكومة والمعارضة على السواء، ويعززه قرار فتح التحقيق في بلاغ تقدم به النائب مصطفى بكري (رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع») يطالب بالتحقيق مع عز بتهمة احتكار الحديد ورفع أسعاره في مصر. النائب العام أحال البلاغ أمس إلى وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، الذي أحاله إلى «جهاز حماية المنافسة والممارسات الاحتكارية».
وزير التجارة أصدر في التوقيت نفسه حزمة قرارات تهدف من نصوصها إلى إعادة السيطرة على سوق الحديد المنفلت. أهمها يلزم شركات الحديد بوضع حدّ أقصى لسعر البيع للتجار والمستهلك في ضوء تكلفة الإنتاج لكل مصنع. القرار يعني بشكل ما فرض رقابة على الأسعار تتولاها مجموعة عمل من الوزارة وأجهزة الرقابة المختلفة لتلقي شكاوى المستهلكين من اللعب في أسعار الحديد الذي يؤثر على ارتفاع أسعار العقارات، ما يلهب الأسعار في السلع الأخرى.
القرارات «صادمة»، ويبدو أنها «ثورية»، لكنها في ظن الخبراء مجرد «أقراص تهدئة» للرأي العام الغاضب. هذه النظرة تربط بين قرارات رشيد بالتحقيق مع أحمد عز للإيحاء بأن هناك حركة في اتجاه تصحيح السوق ومحاربة الغلاء، لكن الحقيقة أن «السوق منفلت. ولن يسيطر عليه إلا بإجراءات اقتصادية أعقد وأكثر جذرية» وأن أحمد عز تضخّم سياسياً بالتوازي مع تضخّم ثروته التي وصلت إلى ٤٠ مليار جنيه، بحسب خصومه في مجلس الشعب، والهدف لا يتجاوز «تخفيف التضخم» وإرجاع عز إلى حجم يمكن السيطرة عليه مجدداً، والإيحاء بأن النظام يحاكم رجاله الأقوياء.
أحمد عز سيكون ضحية إذاً، هذا ما تمهد له نميمة سياسية مصدرها الدوائر المقرّبة من صناعة القرار، وهو ضحية ثمينة ونموذج لقفزات مذهلة على سلّم الثورة والسلطة، فهو من مواليد سنة ١٩٥٩ ودرس الهندسة في جامعة القاهرة، وأسرته من شريحة اقتصادية متوسطة تمتلك ورشة لتصنيع الحديد. وعندما تخرّج، لم تكن السياسة أو التجارة وجهته بل الموسيقى، حيث عزف الغيتار ضمن فرقة شباب في أحد فنادق القاهرة، بحسب روايات من عرفوه في هذه الفترة.
القفزات بدأت منذ ١٩٩٦، عندما ظهرت إعلانات مصنعه الجديد للسيراميك، وبعدها بدأ صعوده السياسي مع ظهور جمعية «جيل المستقبل»، التي كانت الخطوة الأولى في طريق جمال مبارك. وبعدها بسنوات، اشترى أسهماً في «شركة حديد الدخيلة» المملوكة للدولة، التي أصبح أحمد عز في خلال شهور رئيس مجلس إدارتها وأكبر المساهمين فيها. ومن علاقته بجمال مبارك وسيطرته على «الدخيلة»، بدأ مشوار أحمد عز، أضخم مراكز القوى في مصر الآن.

«الإخوان» و«خونة» نقابة المحامين

منعت قوات الأمن المصرية أمس تظاهرة توجهت من مجلس الشورى إلى نقابة المحامين. المتظاهرون ينتمون غالباً إلى جماعة «الإخوان المسلمين» ورفعوا شعارات ضد قانون المحاماة، ووصفوه بأنه «مشبوه» ويهدف إلى «إبعاد الشرفاء عن نقابة المحامين».
«الإخوان» حرصوا على أن تكون التظاهرة مهنية، فارتدى بعضهم أردية سوداء وأنشدوا النشيد الوطني المصري. لكن هذا لم يخف أنها تظاهرة «إخوانية» تواجه الخطة الحكومية لإبعاد محامي الجماعة عن مجلس النقابة.
ورغم الشعارات الرافضة للقانون، الذي سيناقشه مجلس الشعب قريباً، إلا أن غالبية المحامين رأت أن المشاركة في التظاهرة هي نوع من تأييد «الإخوان» في معركة سياسية، ففضلوا استخدام أساليب أخرى للدفاع عن «ديموقراطية النقابة» وإبعادها عن مصير فرض الحراسة. «الإخوان» رأوا، وفقاً للشعارات المرفوعة، أن القانون «مؤامرة» على المحامين ومن سيمرره هو من «العملاء المزروعين داخل النقابة».
المحامون أعلنوا اعتصامهم في مبنى النقابة حتى تنتهي لجنة مفاوضات بين النقابة ومجلس الشعب. ويتخوّف المتابعون من تحوّل الاعتصام إلى بداية صدامات متوقعة دفاعاً عن أقوى مواقع «الإخوان» في النقابات.
والأجواء في نقابة المحامين مشحونة بالعنف المنتظر. وأمس فقط مُنع بالقوة عقد محاكمة شعبية لوزير النفط سامح فهمي لتوقيعه اتفاقية بيع الغاز المصري لإسرائيل، التي نظمتها حملة «لا لنكسة الغاز»، وذلك حين اعترض محامون قيل إنهم تابعون للوزير على انعقاد المحاكمة في النقابة، وتطوّرت المشادات الكلامية إلى تعارك بالأيدي وتراشق اتهمات بالعمالة والخيانة.
وخارج النقابة لا تزال جماعة «الإخوان المسلمين» حائرة للوصول إلى طريقة تستعيد بها التوازن بعد ضربات أمنية وسياسية عنيفة. وتضاربت الأنباء الصادرة عن قيادات الجماعة بشأن عقد انتخابات التجديد النصفي لمكتب الإرشاد. ويبدو من التضارب أن القرار بانتخاب لملء الفراغ الذي تركه الحكم على نائب المرشد خيرت الشاطر لم يحسم بعد، وخصوصاً أن المنتظر هو دخول الدكتور عصام العريان مكتب الإرشاد.
وبين الحيرة الداخلية والضربات المقبلة لمحاصرة الجماعة، تنفجر أسئلة بشأن مستقبل التنظيم، الذي قال نائب مرشده العام قبل أقل من سنة لـ«الأخبار» إنه مستعد لحكم مصر.


وزير الثقافة من فخ «الإخوان» إلى الفخ الإسرائيليالنواب اتهموا الوزير بالمسؤولية عن تسريب ٣ روايات إسرائيلية لمكتبة الإسكندرية وعدّوها محاولة للتطبيع مع إسرائيل تخدم حملة فاروق حسني في الترشح لمنصب مدير «اليونسكو».
«اليونسكو» أيضاً كانت وراء الحملة الإسرائيلية على فاروق حسني، التي بدأها كوهين في القاهرة باحتجاجات على تصريحات الوزير بحرق الكتب الإسرائيلية إذا وجدت في مكتبات وزارة الثقافة. كما أرسل مركز «سيمون فيزنتال» اليهودي في فرنسا خطاباً إلى المدير العام الحالي للـ«يونسكو»، كويتشيرو ماتسورا، رأى فيه أن نجاح فاروق حسني في الوصول إلى المنظمة الثقافية الأولى في العالم يمثل «تهديداً كبيراً» لقيمها، مشيراً إلى أنه «لا يمكن أن يترأس شخص راغب في حرق الكتب اليونسكو، الذراع الثقافية للأمم المتحدة».
الوزير رد على الهجوم الإسرائيلي بأنه لم يقصد المعنى الحرفي لحرق الكتب، وأن كلامه كان صيغة مبالغة بغرض الرد على نواب «الإخوان»، وإن المقصود هو الكتب الإسرائيلية التي تهاجم العرب.
فاروق حسني رأى أنها ضربة موجهة لترشيحه، مشيراً إلى أنه يعرف من وراء الحملة. وهاجم السفير الإسرائيلي في القاهرة، كما ذكّر بأنه صاحب قرار ترميم الآثار اليهودية، مؤكداً «أنا لست، ولن أكون، ضد اليهود، لكن الدعوات للتطبيع مع إسرائيل لا يمكن لها أن تتم إلا بعد تحقيق السلام العادل والشامل، فلا يمكن للناس أن يغنّوا ويرقصوا ويشاهدوا المسرح معاً وسط الدماء والأشلاء، وها نحن نرى الاعتداءات اليومية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية».
الوزير المصري محترف مشكلات، وكثيراً ما تسببت هفوات في كلامه يقولها كنوع من الحماسة في أزمات ليست هذه أولها. سبقتها أزمة بسبب الحجاب وكان طرفها «الإخوان المسلمون» أيضاً يساندهم نواب من الحزب الوطني الحاكم.
الوزير الذي قال إنه «مرشح مصر والعرب» للـ«يونسكو»، سيواجه حرباً صعبة في الداخل والخارج في رحلته إلى المنظمة بعد ٢٠ عاماً في وزارة الثقافة أصبح بعدها «أكبر المعمرين» في الحكومة المصرية.