strong>ما الذي يجعل إيران تستورد 40 في المئة من حاجاتها النفطية المكرّرة، رغم أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث إنتاج البترول، في منظمة «أوبك»؟ وما هي الآليات التي يحاول النظام الإسلامي اتّباعها من أجل التغلّب على مشكلات الحصار الغربي والاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة؟
معمر عطوي
من الواضح أن الحكومة الإيرانية، بقيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد، باتت في وضع صعب على أعتاب الانتخابات الرئاسية التي تجرى العام المقبل، ولا سيما لجهة استفحال أزمة تأمين النفط المُكرّر وخصوصاً البنزين، لجميع أبناء الشعب الإيراني.
لذا، دأبت هذه الحكومة منذ العام الماضي، مع صدور قرارين لمجلس الأمن يقضيان بالعقوبات ضدها، على استحداث آليات جديدة تحاول من خلالها الحدّ من انعكاسات العقوبات الغربية، التي طالت بالدرجة الأولى، الصناعات النفطية والغازيّة. انعكاسات تمثّلت في تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية، بعدما رفضت معظم الشركات الغربية الاستثمار في إيران، خوفاً من العقوبات الأميركية.
وتوصّلت الجمهوريّة الإسلاميّة إلى قناعة راسخة بأن الاعتماد على الشركات الأجنبيّة لن يحلّ هذه المعضلة النفطيّة، التي تضطر بموجبها الى استيراد 40 في المئة من البنزين، في بلد يصل فيه معدل الاستهلاك اليومي إلى 65 مليون ليتر، في مقابل 42 مليوناً هو الإنتاج المحلّي. وأدى إقرار التقنين في مادة البنزين بين حزيران وكانون الأول 2007، إلى حدوث اضطرابات وحرق محطات للوقود في طهران والعديد من المدن الإيرانية.
لقد أعلنت طهران، السبت الماضي، أنها ستحقّق الاكتفاء الذاتي في إنتاج البنزين من خلال إنشاء مصافٍ جديدة وتحسين أداء المصافي الموجودة، في السنوات الثلاث المقبلة. ولهذا الغرض، تم البدء بتنفيذ مشاريع تنمية كل المصافي الموجودة في البلاد باعتماد قدره 7 مليارات دولار أميركي. خطوة تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للبنزين حوالى 34 مليون ليتر يومياً حتى نهاية عشرين آذار 2012.
ومن شأن هذه الخطوة، رفع طاقة تكرير النفط الخام من 1.6 مليون برميل يومياً في عام 2007 إلى 3.3 ملايين برميل يومياً في عام 2012، لتصبح الدولة الثانية في الشرق الأوسط في هذا المجال.
فرضيّة أكدها أحد مسؤولي الشركة الإيرانية الوطنية لتكرير وتوزيع المشتقات النفطية، أمين الله أسكندري، بقوله إن تنمية المصافي الموجودة وتدشين المصافي الجديدة سيجعل البلاد في غنى عن استيراد البنزين من الخارج.
الخطوة الأهم في سياسة الحكومة، التي يرى المراقبون أنها قد تؤتي ثمارها، هي السير في طريق الخصخصة، حيث ستتم كل الاستثمارات المعتمدة لإنشاء المصافي الجديدة بمشاركة القطاع الخاص.
هذا ما كان قد أعلن عنه في التاسع من أيار الجاري، مسؤول تنفيذي في شركة النفط الوطنية الإيرانية، إذ أوضح أن بلاده تنوي خصخصة 47 شركة عاملة في قطاع الطاقة قيمتها 90 مليار دولار وتأسيس شركة قابضة لهذه الأصول التي ستدرجها للتداول في أربع بورصات عالمية.
والخصخصة هنا لا تتوقف على الشركات المحليّة، بل تتوسّع لتشمل شركات أجنبية من الدول التي لا تزال تتعامل مع إيران بهامش معيّن؛ الشركات الآسيوية التي تتفاوض مع إيران من أجل الاستثمار في هذا القطاع. تشير إلى ذلك، نشرة «ميدل ايست ايكونوميك دايجست» (مييد)، التي تحدّثت عن خطة تشمل وضع شركات النفط والغاز تحت مظلّة مجموعة قابضة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية.
وقد يكون تصريح العضو المنتدب لشركة النفط الحكومية الإيرانية، سيف الله جاشنساز، الأحد الماضي، عن أن إيران ستسعى لزيادة إنتاجها من النفط إلى 4.3 ملايين برميل يومياً بحلول آذار المقبل، خطوة أخرى على طريق تحسين آليات الحلّ. لكن ثمة ما يعكس تخبطاً في اتخاذ القرار داخل الحكومة، بدا واضحاً من خلال تصريح للرئيس نجاد قبل 3 أسابيع، يتحدّث فيه عن دراسة اقتراح يقضي بتقليص إنتاج النفط الخام، بما يناقض ما أعلنه جاشنساز.
وبحسب وزير النفط الإيراني، غلام حسين نوذري، فإن إنتاج إيران من النفط بلغ 4.184 ملايين برميل يومياً في الخامس من شباط الجاري ليسجل أعلى مستوى منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.
وفي بلد تبلغ فيه الاحتياطات النفطية 136 مليار برميل، يسعى المسؤولون العالقون بين سندان العقوبات التي تقلّص حجم الاستثمارات الأجنبية في تطوير صناعة النفط، ومطرقة السياسة العقيمة للحكومة، كان لا بد من وضع خطة في وزارة النفط لتطوير حقول نفطية صغيرة ورفع مستوى العائدات، ولا سيما أن ما جنته الجمهورية الإسلامية من دخل بسبب الطفرة النفطيّة بلغ حوالى 60 مليار دولار في العام الإيراني المنتهي في 20 آذار 2007.
ثمة معضلة أخرى، قد تحول دون استكمال هذه الخطوة، تتمثل في البدء بأعمال تطوير حقل كبير للنفط والغاز بين إيران والكويت، بسبب خلاف على الحدود البحرية بينهما.
من الطبيعي أن هذه الآليات التي تحاول إيران السير وفقها، لا تخلو من عقبات وعوائق قد تؤخّر إنجاز ما هو مرسوم، لذلك كان رأي وزير النفط، غلام حسين نوذري، أن هذه العقبات قد تضمحّل مع تنفيذ نوعين من المشاريع في صناعه النفط، تشمل مشاريع تنموية ومشاريع قيد التنفيذ وقيد الإنتاج في الحقول.
وما يساعد على تخطّي هذه العقبة برأي الوزير نفسه أن وزارته «لا تواجه مشكلات في توفير الموارد المالية للمشاريع قيد الإنتاج».
ويصبّ في هذا الاقتراح، العمل على سحب أكثر من 10 مليارات دولار من احتياطي العملات الأجنبية لمشاريع صناعة النفط.
مما لا شك فيه أن خطوات تحسينية كهذه يمكن أن تعيد إلى حكومة نجاد بعض ماء الوجه الذي فقدته من جرّاء سياستها الفاشلة اقتصادياً. بيد أن حصاد البيدر هو الذي يؤكد ما الذي ستزرعه في هذا الحقل.