الجزائر ــ حياة خالديبدو أنه حُكم على الهدنة التي وقعتها حكومة باماكو ومتمردو الطوارق في كيدال شمال مالي بأن تكون ظرفية، بعدما عادت الاشتباكات بين الطرفين وخلّفت ما يقارب ثلاثين قتيلاً من الطرفين الأسبوع الماضي.
ويرى قائد جماعة شمال مالي من أجل التغيير، إبراهيم باهانغا، أن عودة الهجوم والاقتتال وخرق الهدنة الموقعة في الجزائر عام 2006، يعودان إلى عدم التزام الجيش المالي بالاتفاق وتطويقه لمنطقة كيدال، وعدم بذل الجهود اللازمة للتكفل بالطوارق الذين يصنفون مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، ويعيشون أوضاعاً مزرية، إضافة إلى دور الحكومة المالية في هذا العناء بالتهميش.
ويذكر أن الطوارق أو الملثمين أو الرجال الزرق هم من أقدم سكان الساحل الأفريقي، ويتوزعون في جنوب الجزائر وليبيا والنيجر ومالي. ونظراً للمكانة المؤثرة التي يتمتعون بها وقدرتهم على تقديم الحجة والبرهان، فإن توترهم في منطقة من المناطق الأربع يثير المخاوف من انتقال العدوى باعتبار أن المطلب الأسهل عند هذه الفئة هو الحكم الذاتي، فضلاً عن أنها لا تزال محافظة على تقاليدها الأمازيغية.
ونظراً للهدوء الذي يتمتع به طوارق الجزائر وليبيا، فإنهم يتحركون دائماً لأداء دور الوساطة وإخماد نار طوارق النيجر ومالي. أما متمردو مالي، الذين يقودهم إبراهيم باهانغا، فهم الأكثر تحركاً ومطالبة بالحكم الذاتي، الأمر الذي ترفضه حكومة باماكو، ما سبّب اشتباكات عديدة بين الطرفين لم تهدأ منذ استقلال البلاد عام 1960.
ورغم اتفاقات الهدنة الموقّعة بين الطرفين منذ عام 1992، بفضل الوساطتين الجزائرية والليبية، إلا أنها تعد اتفاقات ظرفية ومؤقتة. ويرجع المتتبعون ذلك إلى تعدد الوسطاء وتضارب المصالح في المنطقة، وتوقيع طرفي النزاع على الاتفاقات لإرضاء الوسطاء فقط، لا لمعالجة الصراع من جذوره.
ولهذا الغرض، طالبت الجزائر بأن تكون الوسيط المحوري في مسألة الصراع بين جماعة باهانغا وباماكو، ودعت الطرفين إلى الالتزام باتفاق الجزائر الموقع في عام 2006، الذي ينصّ على وقف إطلاق النار نهائياً وتخفيف الإجراءات العسكرية وتطوير شمال مالي الذي يتمركز فيه الطوارق، إضافة إلى إطلاق سراح الرهائن من الجانبين.
بدورها، تطالب حكومة باماكو بانضمام المتمردين التابعين لباهانغا إلى الجيش النظامي المالي، ما يثير حفيظة متمردي كيدال، رغم موافقتهم على إطلاق سراح الجنود النظاميين الذين كانوا أسرى لديها.
ويعزو المحلّلون عودة الطرفين إلى السلاح إلى انسحاب الجزائر من الوساطة بعد تدخل ليبيا أخيراً واحتضانها للقاء بين جماعة باهانغا وسلطة باماكو، ما اعتبرته الجزائر خارج حدود اللياقة. فأي اتفاق خارج إطار ما وُقِّع في الجزائر عام 2006 لن يزيد الأمر إلا تأزماً.
وحاول الرئيس المالي أمادوا توماني إنقاذ الموقف، فبعث برسالة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الأسبوع الماضي، تحمل دعوة إلى الجزائر بالعودة إلى ساحة الوساطة.
عوامل أخرى تُسهم في تغذية الصراع في منطقة مالي، يرى بعض المحلّلين أنها تعود إلى تضارب المصالح في المنطقة، من خلال لاعبين شرعيين وغير شرعيين في شمال مالي، من الاستخبارات فرنسية والأميركية والليبية، فضلاً عن قضية اختطاف الرهينتين النمساويتين الموجودتين الآن، بحسب مصادر أمنية، في شمال مالي على بعد لا يزيد على 150 كيلومتراً عن تمركز جماعة أمير الجنوب في تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» يحيى أبو عمار.
ويقوم الطوارق بالوساطة بين المختطفين والحكومة النمساوية، التي لا تريد للجيش المالي أن يتدخل خوفاً على حياة الرهينتين. غير أن جماعة باهانغا تؤكد أن الجيش كثّف تحركاته منذ وصول الرهينتين إلى منطقة كيدال، ما أدى إلى خرق اتفاق الهدنة، الأمر الذي بات يستلزم جولة أخرى من المفاوضات ستؤدي فيها الجزائر الدور المحوري بحسب المتتبعين.