strong>مع تزايد الحديث عن قرب توقيع الاتفاقية الطويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة، يشير مراقبون إلى الخطوات الأميركية التي فرّغت الاتفاق مسبقاً من مضمونه، ما يدخل المعارضة السياسيّة له في إطار الرفض «الانتخابي» والإعلامي الذي يهدف لحصد الأصوات مع اقتراب انتخابات المحافظات
بغداد ــ زيد الزبيدي
عندما كثرت التطمينات الأميركيّة للرأي العام العراقي والعالمي عن أنّ الاتفاقية المنوي توقيعها مع حكومة نوري المالكي في العام الجاري، لن تكون انتهاكاً للسيادة العراقية، جاء التبرير أنّ جلّ ما تهدف إلى إنجازه المعاهدة، هو حماية حكومة بغداد من انقلاب داخلي أو تدخّل خارجي يهدف إلى نزع الشرعيّة عنها.
لكن قراءة متأنّية لدرجة الارتهان الذي وصل إليه الجيش العراقي، بالإضافة إلى «فوبيا» التدخّل الإيراني في الشؤون العراقيّة، تجعل عدداً كبيراً من الخبراء العسكريين، كما المحلّلين السياسيين، يؤكدون أنّه آجلاً أم عاجلاً ستكون الأطراف العراقيّة هي المبادرة إلى الطلب من الإدارة الأميركيّة أن يُوسّع الدور المزعوم للقوات الأميركيّة بموجب الاتفاقيّة الموعودة.
وأبرز مظاهر العزم الأميركي على تفريغ الاتفاقية الأميركيّة ـــ العراقيّة الجاري العمل على توقيعها هذا العام، من مضمونها، يظهر بحسب العديد من المحلّلين في تركيبة الجيش العراقي الناشئ.
وفي هذا المجال، يقول أحد مستشاري المالكي إنّ واشنطن تتعمّد عرقلة تسليح الجيش، «لكي تبقى لها اليد الطولى في الملف الأمني، ويبقى البلد بحاجة مستمرة إلى وجودها العسكري».
في المقابل، يعارض خبراء عسكريون كلام المستشار الحكومي، ويرون أنّ الأهم من تسليح الجيش، هو «الهدف المرجوّ منه»، أو عقيدته القتاليّة، وبالأخص جانب ولاء المجندين، حيث تأتي الأكثرية الساحقة منهم حتى الآن من الميليشيات والأحزاب، ويجلبون معهم ولاءهم السياسي والمذهبي إلى داخل صفوف الجيش.
وبحسب العميد المتقاعد صالح الفكيكي، فإنّ المشكلة الأساسية هي ندرة العقول في الجيش، حيث إنّ «الأسلحة المتطورة تحتاج إلى عقليات متطورة» وكثيرة، وهذه شروط نادرة في الجيش الجديد.
يُضاف إلى ذلك أنّ أسلحة الجيش غالباً ما تتسرّب إلى الميليشيات، أو تستولي عليها جماعات مسلّحة أخرى، وأحد الحوادث الأخيرة في هذا المجال، كان إعلان الحكومة أنها سرّحت واعتقلت أخيراً 7500 من ضباط الجيش والشرطة ومنتسبيهما، بسبب تقاعسهم أو تورطهم مع الميليشيات.
ويتابع العسكري المتقاعد حديثه عن الرقابة الأميركية على التسليح العراقي، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة قادرة لو أرادت، بأن تخرج العراق من عقوبات الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة التي تمنع استيراد المعدات العسكرية. ويرى أنّ المسؤولين العراقيين الذين حاولوا «الالتفاف» على هذا الفصل بعقد الصفقة مع صربيا بقيمة تفوق كثيراً قيمتها الفعلية (قيمتها 830 دولاراً، فيما قدّر الاحتلال أنها تساوي بالفعل 300 مليون دولار)، قد خدموا الاحتلال الذي قد يستعمل الصفقة كوثيقة رسمية بمتناوله، لإثبات فساد القوات العراقية وعدم أهليتها للاعتماد على نفسها.
بدوره، يرى المحلّل السياسي مظفّر سمير العاصي، أنّ القوات الحكومية، ومعها قوات الاحتلال، «لم تستطع مواجهة المقاومة العراقية، ولم تتمكن من تحقيق نجاحات تذكر إلا بالمناورات السياسية، وفي حدود التجميد أو التهدئة». ويشير إلى أن ذلك يعني أن «أي خروج لقوات الاحتلال سيعني خروج الحكومة معه»، ما يجعل «موقف الحكومة التفاوضي بشأن الاتفاقية ضعيفاً جداً».
ويفيد العاصي بأنّ هذا الواقع يجعل الجانب الأميركي غير واثق من القدرة الحكومية على السيطرة على الوضع الداخلي، كما أن الحكومة بسياستها المتّبعة، لا يمكنها الاستغناء عن الاحتلال خوفاً من الوقوع تحت السيطرة الكلية للميليشيات.
إلى ذلك، يتفاوت منطلق رفض الاتفاق بين الكتل السياسية المختلفة، لا سيما بين المتناغمين مع الدعوات الإيرانية لرفض المعاهدة، والذين يخشون من أن خروج القوات الأميركية يعني «السيطرة الإيرانية» على بلاد الرافدين.
كما أن الخشية من إنهاء الاحتلال تزداد في ظلّ وجود الميليشيات، ما يجعل من خطر اشتعال الحرب الطائفية من جديد، احتمالاً دائماً وواقعياً.
ويشير المراقبون في هذا المجال، إلى نجاح واشنطن في إقناع بعض أطراف المقاومة «السنية» بأنّ «الخطر الإيراني» هو الأولى بالمواجهة، وهو ما ترجم في ما بعد بانضمام بعض الفصائل إلى «قوات الصحوة» والتحضّر للدخول في العملية السياسية انطلاقاً من انتخابات المحافظات في تشرين الأول المقبل.
كما أتاح الارتياب من الدور الإيراني للحكومة، الالتقاء مع أطراف أخرى خارج العملية السياسية وداخلها، على أهمية الدور الأميركي في حماية الحدود، وحماية الحكومة من عودة هيمنة الميليشيات والجماعات المسلحة، المدعومة بمعظمها بحسب واشنطن من طهران.
أمّا بالنسبة للبنود الأخرى للاتفاقية، كوجود القواعد العسكرية الدائمة، والتفويض المطلَق لقوّات الاحتلال في بلاد الرافدين، فيشير مراقبون إلى أنّها أيضاً مفرَغة مسبقاً من مضمونها.
فجهاز الاستخبارات العراقي سيبقى خارج اختصاص الحكومة، وهو حتى في حال إخضاعه للإمرة الحكومية الشكلية، يبقى أكثر ارتباطاً بالأميركيّين من حيث التأسيس والتشكيل والمنهجية.
في المقابل، فإنّ قيادة أركان الجيش العراقي لا علاقة لها أيضاً بالحكومة، حيث إنّ منصب رئيس الأركان يحمل صفة «رئيس أركان القوات المشتركة»، أي الأميركية والعراقية، حيث تعود الكلمة الفصل فيها بطبيعة الحال إلى الاحتلال.
أمّا بالنسبة للقواعد الدائمة، حيث وعد السفير الأميركي لدى بغداد ريان كروكر، بأنّ الاتفاقية لن تنصّ على وجود دائم للاحتلال في العراق، فهي أقرب إلى «التنازل الإعلامي»، يُظهر حكومة بغداد كأنّها «حقّقت إنجازاً كبيراً» بانتزاع وعد من الاحتلال بالانسحاب.
فبعد تثبيت السيطرة الداخلية وتحويل «الهدنات» المؤقّتة في مختلف مناطق العراق إلى واقع ثابت، في ظلّ وجود القوات الأميركية في الخليج، يرى متابعون أنّه يمكن طرح صيغة «القواعد المتحركة»، أو الاكتفاء بوجود محدود للقوات الخاصة والاستخبارات.