أرنست خوريكان واضحاً أنّ بند الخلافات العربية ـ العربية سيستحوذ على النقاش الجدّي في فعاليات القمة العشرين للزعماء العرب التي انعقدت في دمشق. الانقسامات البينية بين العرب، وخاصة بين السعودية ومصر من جهة، وسوريا من جهة أخرى، عرقل إمكان بحث الملفات ـ الأزمات، وفي مقدمتها لبنان، والعراق. يقين مسبَق أوحى بأنّ إحدى «ضحايا» القمة ستكون حال بلاد الرافدين. كان أوّلَ العالمين العراقيون أنفسهم. كان مقرّراً أن يرأس الوفد رئيس الوزراء نوري المالكي. انطلقت حملة «صولة الفرسان» في البصرة، فظهرت اللا مركزيّة في اتّخاذ القرار في بغداد، وراج أنّ نائب الرئيس طارق الهاشمي سينوب عنه أو وزير الخارجية هوشيار زيباري. وفي النهاية، استقرّ الرأي على أن يحضر النائب الثاني للرئيس عادل عبد المهدي، الخبير في أحياء دمشق حيث مكث فترة طويلة من نفيه أيّام صدّام حسين، حين تنقّل تنظيمياً ما بين صفوف حزب البعث و«الشيوعي» قبل أن يستقرّ في «المجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة» الذي تحوّل إلى «المجلس الإسلامي الأعلى في العراق».
اللافت أنه لا أحد سأل عن سبب تغيّب الرئيس جلال الطالباني، علماً بأنه لا مشكلة بين الرجل وحكّام دمشق. إذاً لا بدّ أنّ السبب كان معرفته بأنّ موضوع بلاده سيكون حاضراً بخجل، نظراً إلى غياب المعنيين بما تطلبه بغداد من العرب، وثانياً بسبب طغيان ملفّ العلاقة الشائكة بين الرياض والقاهرة من جهة، ودمشق من طرف آخر.
وليس سرّاً أن المطلب العراقي القديم ـ الجديد إزاء الرياض ودول الخليج عموماً، لا يزال نفسه:
ـ تغيير آلية التعاطي مع حكومة بغداد على اعتبار أنها الوكيل الحصري للمصالح الإيرانيّة في العراق.
ـ إقفال الحدود بحزم في وجه المتطوّعين العرب من تنظيمات تدور في فلك تنظيم «القاعدة»، إذ إنّ بغداد، وحتى واشنطن، تتهمان الرياض بأنها تسهّل دخول هؤلاء «الإرهابيين» لمواجهة نفوذ «الإرهاب» الإيراني الذي يدعم «فرق الموت» الشيعية.
ـ إظهار بادرة حسن نيّة إزاء العراق عبر اعتماد سفراء لدولهم في بغداد، مع كلّ القيمة السياسية التي تحملها هذه الخطوة، واعتراف نهائي بمشروعية السلطة العراقية لكونها تمثّل جميع المواطنين لا شيعتهم فقط.
ـ الضغط على حلفائها من العرب السنّة العراقيين لكي يقبلوا بولوج درب «المصالحة الوطنيّة».
ورغم غياب المعنيين الكبار بملف العراق (السعودية على وجه التحديد)، بدا أنّ الحاضرين في قصر المؤتمرات، لم يرغبوا في مناكفة السعوديين، فجاءت بنود «إعلان دمشق» والمقررات النهائية للقمّة، تحت سقف المطلوب عراقيّاً، وهو ما اضطرّ عبد المهدي إلى تسجيل تحفّظ بلاده من دون أن يتمكّن من فرض تغيير عليها.
فالمقررات وصفها زيباري بأنها «ليست إيجابية»، لأنها وقفت على الحياد بين «الإرهابيين وجهود الحكومة في محاربتهم». وهي بقيت عامّة، إذ شدّدت على وحدة العراق وسيادته ورفض أي دعوة لتقسيمه. وحتّى هذه النقطة لا تعني كثيراً عبد المهدي بالذات، فهو القيادي في الحزب المعروف بتبنّيه لمشروع فدراليّة في الشمال والجنوب والوسط. وفيما كان الوفد العراقي ينتابه الأمل في أن تتبنّى المقرّرات «دعم حكومة نوري المالكي وإدانة الإرهاب»، اكتفى النصّ بالتأكيد على «عدم التدخّل في شؤونه الداخلية»، ولم تُذكَر الحكومة إلا من باب التذكير بأنّ المصالحة الوطنية تقع على عاتقها.
كما تبنّى الرؤساء العرب كلاماً يردّده سنّة البلاد، حول ضرورة «توزيع ثروة العراق بصورة عادلة على كل المناطق وفئات الشعب، وقيام الحكومة بحلّ مختلف الميليشيات، وصولاً إلى خروج القوات الأجنبية كافة من العراق». ويرجّح البعض، أنه لو كان الملك السعودي حاضراً، لكان دفع نحو اعتماد مصطلح «قوّات الاحتلال» بدلاً من «القوّات الأجنبية» كما فعل في العام الماضي وأثار حفيظة كل من الأميركيّين والحكومة العراقية.