strong>يحصر الإعلام العالمي وحتى العراقي، جلّ اهتمامه على التطورات اليوميّة الأمنية والسياسية الحاصلة في العراق. لا يُعطى الموضوع الاقتصادي ـ الاجتماعي المتردّي حقّه، رغم أن الفقر إلى تزايد، وارتفاع الأسعار بات رياضة وطنيّة يعيش العراقيون آثارها المدمّرةبغداد ـ زيد الزبيدي
كان فصل الصيف في العراق، يُعدّ بأنّه «موسم الفقراء»؛ ففيه تتوفّر متطلبات العيش لكلّ الناس، والمنتجات الزراعية من تمور ومحاصيل حقلية وفواكه تغطّي الحاجة، وتزيد. أمّا اليوم، وفي ظل الاحتلال و«الديموقراطية»، يتفاقم الفقر، والصناعة والزراعة معطّلتان، وكذلك الخدمات الضرورية، حتى أصبحت ممارسة أي عمل ذي جدوى اقتصادية تعني الخطر، مع انتشار الفوضى الأمنية وحالات السلب والنهب والترحيل والتهجير، ناهيك عن انقطاع الكهرباء وشحّ الوقود ومخاطر نقله وتعطيل مضخات مياه الري.
وبحسب المتخصّص في المجال الزراعي، الدكتور جميل الدباغ، فإنّ «المسؤولين يسعون إلى تدمير القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد العراقي، من خلال استيراد المحاصيل الزراعية، ولا سيما أنّ هناك الكثير من السلع دخلت البلد من مناشئ رديئة، ولا تحمل أي ميزة تفضيلية لجودتها».
ويعلّق الدباغ على الوعود التي يرددها المسؤولون عن «انتعاش الاقتصاد في الأعوام المقبلة»، قائلاً «تعرضت العملية الاقتصادية بعد سقوط النظام السابق لاستنزاف وتفريغ من ركائزها واستثماراتها وبناها التحتية، وخاصة عمليات النهب؛ فالخصخصة طالت بعض المرافق التصنيعية والإنتاجية المملوكة للدولة، وعمليات السطو ضربت المشاريع من قبل الأحزاب والشخصيات السياسية التي حوّلتها إلى استثمارات خاصة، فلا غرابة في أن تشهد أسعار السلع والخدمات قفزات كبيرة»، علماً بأن الدولة لم تعد تتدخّل كفاعل ومفعّل في العملية الاقتصادية، بل تراها تعمل بالاتجاه المعاكس، من خلال الإجراءات الاقتصادية المرتجلة كقرار رفع أسعار الوقود، وقرار جرف الأراضي الزراعية وتوزيع أراضيها كقطع سكنية، إضافة إلى الفوضى التي عمّت عمليات الاستيراد من دون ضوابط تحكمها، ما انعكس سلباً على القطاع الزراعي في بلاد الرافدين.
ويحلّ الصيف هذا العام، وتبقى العوائق قائمة أمام حصول المواطن العراقي على قوته اليومي، من المنتجات والمحاصيل الصيفية، إذ يقدّر خبراء اقتصاديون أنّ معدل حاجة المواطن العراقي اليومية من الفواكه والخضر يساوي عشرة آلاف دينار، (أكثر من 9 دولارات) بسبب ارتفاع الأسعار. فكيلوغرام الطماطم والباذنجان والبصل مثلاً، يساوي 1250 ديناراً (أكثر من دولار)، بينما كان محصول الطماطم في هذا الموسم يباع بأسعار تُعدّ رمزية.
أمّا الفواكه، «فلا ضرورة لشرائها»، ما دام المعروض منها يشبع رغبة المستهلك الفقير إلى «التفرج».
وحول ارتفاع الأسعار، يقول البائع العتيق في سوق الخضر في منطقة علاوي الحلة، في وسط بغداد، علي جواد، إنّ المستهلكين «يتّهمون الباعة برفع الأسعار، ولكن بالتأكيد لسنا السبب، فنحن نشتري البضاعة بأسعار باهظة، وخاصة حين تمتلئ علاوي بالبضاعة المستوردة فقط».
زميله أبو مازن، من منطقة باب المعظم، يرى أنّ عمله في بيع الخضر «أصبح مثل البورصة، فالأسعار ترتفع مع ارتفاع أسعار الوقود وانقطاع الطرق وسوء الظروف الأمنية، كما إنّ أصحاب محلات البيع بالجملة يتلاعبون بنا، رغم أنهم يحصلون على نسبة 10 في المئة من أرباح المزارع».
وأهم عوامل رفع مستوى الأسعار، هو الفصل الطائفي بين المناطق والأحياء، وصعوبة نقل البضائع من منطقة إلى أخرى، ما أفرز ظاهرة «القنطرجية» الذين ينقلون المحاصيل من محل بيع بالجملة إلى آخر أو إلى الباعة بالمفرّق.
وفي هذا السياق، يقول حميد هادي وهو صاحب مركبة لنقل المحاصيل، «أقوم بنقل المحاصيل من سوق الخضر في مدينة سامراء إلى منطقة الدورة في بغداد، إلى منطقة «حيادية» طائفياً، ويمكن للسائقين من جميع الطوائف شراء المحاصيل منها، بعد تعذّر وصولنا إلى سوق الرشيد والتاجي وجميلة لسوء الظرف الأمني». ويقع سوق سامراء حالياً على الطريق السريع المؤدي إلى الدورة، وهو يوزّع البضاعة إلى التجّار الآخرين، وهذه العملية ترفع الأسعار لأن البضاعة تصل إلى البقّال على مرحلتين، عدا عن الحديث عن غلاء أجور النقل.
وعن هذه الأجور، يشير السائق مجيد شلال إلى أنّ «أسعار الوقود ترهقنا فنضطرّ لرفع أجور النقل، فأجرة نقل المحصول من سامراء مثلاً إلى الرمل تتراوح ما بين 250 و300 ألف دينار، وتنتظرها عملية نقل أخرى إلى سوق أخرى أو إلى بقّالين آخرين، ما يرفع أسعار المحاصيل». ويركّز مجيد في حديثه على المتاعب العديدة التي يواجهها هو وزملاؤه في الطريق، ما يضطرّهم إلى سلوك طرق طويلة ومتعرّجة بدلاً من المختصرة لتجنّب المخاطر والطرق المسدودة.
إضافة إلى ذلك، وجرّاء خشية الباعة في بعض المناطق من الوصول إلى الأسواق الرئيسية، تمّ افتتاح سوق للفاكهة والخضر في بعض الأحياء السكنية. لكنّ ميزتها الرئيسية هي ارتفاع أسعار بضاعتها مقارنة بالأسواق الكبيرة.