باريس ـ بسّام الطيارةمنذ وصول نيكولا ساركوزي إلى قصر الإليزيه، والمراقبون ينتظرونه عند منعطف العلاقات الفرنسيّة ـ الأميركية. ومن المعروف أن العلاقة مع حلف شمالي الأطلسي هي من أهم معالم ما يمكن أن يربط باريس بواشنطن. ويفسّر هذا الأهمية التي يعطيها المراقبون لاندفاع ساركوزي للغوص في ما سمّاه رئيس الأركان الفرنسي، جان ـ لوي جورجولان، «المستنقع الأفغاني» استجابةً لنداءات واشنطن وأركان «الأطلسي».
ويحاول الجميع الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان هذا الانخراط في الحرب الأفغانيّة، بشكل متزايد، استجابة لطلبات الإدارة الأميركيّة ونوعاً من خدمات يقدّمها ساركوزي لـ«الصديق» الرئيس الأميركي جورج بوش، أو أنّه يدخل في إطار مصالح فرنسا العليا.
وقد اجتمع البرلمان الفرنسي بناءً على طلب الحزب الاشتراكي للبحث في مسألة زيادة عدد الجنود الفرنسيين في أفغانستان، وخصوصاً أنّ فرنسا باتت تحتلّ الصف الثاني في عداد المساهمين في «الحرب على الإرهاب»، وهو الاسم الذي يُطلق على مهمة قوات «إيساف» في آسيا الوسطى.
وتطرّقت المعارضة الفرنسيّة إلى ملفّ «العمليّات العسكريّة في الخارج»، الذي هو حصراً من صلاحيّات الرئيس بحسب الدستور، من باب ميزانيّة الدفاع، وهو الباب الذي اختاره بعض كبار الضبّاط الفرنسيين لانتقاد «النقص في الميزانيّة مع ارتفاع تكاليف المهمّات المتزايدة انتشاراً».
وقد علمت «الأخبار»، من مصادر مطّلعة، أنّ مصاريف المهمّات العسكريّة للقوّات الفرنسيّة في الخارج يُتوقّع أن «تبلغ ما يزيد على ٨٥٠ مليون يورو، فيما البند المخصّص لها في الميزانيّة لا يزيد على ٤٥٠ مليون يورو». وتقول هذه المصادر إنّ «مصاريف مهمة دارفور» محسوبة بحدّها الأدنى.
وفي السياق، قال وزير الدفاع، هيرفيه موران، في حديث إلى إذاعة «فرانس أنتر»، إنّه يتوقّع ألّا تتجاوز الزيادات المرتبطة برفع عدد الجنود الـ٢٠٠ مليون يورو لتغطية تكاليف القوّات الفرنسية التي تضم ٢٢٠٠ جندي، وذلك من دون الأخذ بالاعتبار الزيادة البالغة ألف جندي، التي قرّرها ساركوزي وأثارت حفيظة النواب الفرنسيّين.
وبانتظار ما سينتج عن قمّة «الأطلسي» في بوخارست، يمكن لقضيّة «التقارب مع الحلف» أن تحرّك عدداً لا بأس به من نوّاب الأكثريّة الذين «كان لهم ماض ديغولي»، بحسب نوّاب اليمين الذي يعارض بشدة هذا التقارب.
إلّا أنّ الجنرال شارل ديغول هو أوّل من ضرب عرض حائط هذه العلاقة بخروجه من قيادة الحلف عام ١٩٦٦. ومنذ هذا التاريخ والعلاقات الدبلوماسيّة بين العاصمتين الغربيتين فاترة رغم «قوّة الصلة السياسيّة» التي تربطهما وتجعلهما «حليفين غربيّين بتحفّظ»، بحسب أحد الخبراء في العلاقات الأطلسيّة.
وشهدت مرحلة غزو العراق إحدى أشدّ مراحل التوتّر بين واشنطن وباريس، وقد رأى الأميركيّون أنّ «باريس حاربتهما» وقامت بدور كبير في منع الحصول على موافقة الأمم المتحدة على هذا الغزو. وقد حاول الرئيس السابق، جاك شيراك، «مباشرةً بعد انتهاء الغزو» رتق الانقسام وخصوصاً أنّ «أرضيّة التقارب كانت مبنيّة على الملفّ اللبناني» حيث تقاطعت مصالح العاصمتين منذ عام ٢٠٠٤.
ولكن رغم «كلّ النوايا الحسنة» التي ألبسها شيراك لمحاولات تليين موقف فرنسا في العراق، فإنّ واشنطن رفضت تليين موقفها والتنازل عن «موقع قيادة لضابط فرنسي» يسمح بعودة باريس إلى أركان الحلف، وخصوصاً أنّها كانت تطالب بقيادة قوّات البحر المتوسط.
كما أن باريس، ورغم رغبتها بالعودة التدريجيّة إلى الحلف، كانت تودّ أن تطرح «بشكل مواز» طلب رفع «الفيتو الأميركي» عن زيادة إمكانيّات القوّات الأوروبيّة، وهو ما تعارضه واشنطن ويدعمها في هذا التوجّه كلّ من بريطانيا وهولندا، وبشكل أقلّ بولندا والدنمارك. كذلك، طرحت باريس مسألة توجّسها من «مجابهة موسكو» إذا تمّ توسيع الحلف الأطلسي نحو الشرق من دون «موافقة روسيّة».
وفي هذا السياق، أعلن الأمين العام للحلف، ياب دي هوب شيفر، أنّ وزراء خارجيّة «الأطلسي» لم يتّخذوا قراراً في شأن توسيعه في البلقان، وتركوا الأمر لقمّة قادته في بوخارست التي تفتتح اليوم. إلّا أنّه لم ينف أنّ الوزراء ناقشوا في بروكسل موضوعين أساسيّين هما: توسيع «الأطلسي» وعمليّات الحلف في أفغانستان وكوسوفو.
ونفى شيفر وجود «أي فيتو على انضمام أي دولة» ما دامت تستوفي الشروط المطلوبة. لكنّه لفت إلى أن قرارات الحلف تُتخذ بالإجماع، مشدّداً على أن منظّمته ترفض أن تُملى عليها شروط من الخارج في شأن من ينضم إليها، في إشارة مباشرة إلى موسكو التي تعترض على انضمام جورجيا وأوكرانيا.
ومن المعروف أن «ملف آلاف من جنود الحلف الموجودين في كوسوفو» سيكون على طاولة القمة. وفي هذا الصدد، أكّد أحد المقرّبين من الملف أنّ «مهمتهم ستتواصل لكونها منتدبة من الأمم المتحدة». أمّا في ما يتعلّق بأفغانستان، فقد علمت «الأخبار» أن عدداً من الدول المشاركة في «قوّات إيساف» من خارج الحلف ستحضر القمّة أيضاً.
ورغم رفض المسؤولين الغوص في تفاصيل عن تعهّد أيّ من دول الحلف زيادة جنودها في أفغانستان، إلّا أنّ الأنظار تتوجّه بقوّة هذه الأيّام نحو باريس التي «تسرّع ساركوزي» وأعلن زيادة قوّاتها مباشرة، بعدما رفضت برلين أي زيادة لقواتها وكذلك الأمر مع كندا.
ورغم أنه من المستبعد أن يقف البرلمان الفرنسي في وجه الزيادة المرتقبة للقوّات الفرنسيّة، إلّا أنّ «طريقة عرض ساركوزي للأمر خارج الحدود الوطنية» (في لندن) قبل أن يتم بحثه في مجلس الوزراء سبّبت بعض الإشكال «التواصلي» وهو ما دفع البعض إلى القول إنّ «ساركوزي لم يتعلّم» ممّا حصل له في الأشهر العشرة السابقة، وها هو بعدما تحسّنت شعبيّته ٣ نقاط يريد أن يخسرها مباشرة.


«خريطة طريق» أميركيّة ـ روسيّة!
أفاد مصدر من الكرملين، لوكالة «رويترز» أمس، بأنّ الرئيسين الروسي والأميركي، فلاديمير بوتين وجورج بوش، سيوقّعان وثيقة تحدّد إطار عمل للعلاقات الاستراتيجيّة بين بلديهما في اجتماع يُعقد الأحد المقبل في مقرّ إقامة بوتين في سوتشي عند البحر الأسود.
ولفت المصدر إلى أنّ «الخبراء يعملون الآن على وضع بيان مشترك سيصبح خريطة طريق، وخاصّةً بتعاوننا خلال فترة انتقالية ولفترة متوسطة المدى»، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
من جهة أخرى، قال رئيس البرلمان الروسي، بوريس غريزلوف، أمس إنّ النوّاب قد يؤكّدون تعيين بوتين رئيساً جديداً للوزراء في اليوم التالي لأداء ديمتري ميدفيديف اليمين القانونية خلفاً له في منصب الرئيس.
ونقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية للأنباء عن غريزلوف قوله: «أعتقد أنّه أمر واقعي تماماً لأنّه سيكون هناك موقف يجتمع فيه أعضاء مجلسي الاتحاد والنوّاب (في الثامن من أيّار المقبل) ويؤيّدون ترشيح» بوتين.
ويتمتّع الموالون للكرملين بغالبيّة ضخمة في مجلس النواب، ومن المرجح أن يتمّ تثبيت تعيين بوتين بسهولة. وإذا حدث التصويت في 8 أيّار، فإنّه سيكون سريعاً على نحو غير عادي. فقد احتاج الرؤساء السابقون الذين تولّوا السلطة، بضعة أيّام بعد أداء اليمين لتأكيد تعيين الأشخاص الذين اختاروهم لرئاسة الوزارة قبل تأكيد تعيينهم في البرلمان. كما أنّ هذا الجدول الزمني لن يترك وقتاً لبوتين لاتّباع الإجراءات التقليديّة قبل التصويت.
(رويترز)