strong>بعد 7 سنوات على تصريحه بأنّه «لمس روح» نظيره الروسي، وصف جورج بوش لقاءه المرتقب مع فلاديمير بوتين بأنّه «فرصة (لإجراء محادثة) من القلب إلى القلب»، وذلك قبل ساعات من قمّة حلف شمال الأطلسي في بوخارست، التي حذّر وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف من «ردّ بلاده البراغماتي» إذا قبلت عضوية جورجيا وأوكرانيافي ظلّ انقسامات أوروبيّة بشأن «مدى جهوزيّة» أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتأكيد موسكو رفضها التام لهذا الإجراء الذي يُعدّ تعدّياً على محيطها الاستراتيجي، حثّ جورج بوش الحلف على عرض «مسار واضح» للانضمام على الجمهوريّتين السوفياتيّين السابقتين، خلال قمّته التي تمثّل أكبر تجمّع لرؤساء الدول والحكومات يعقده منذ تأسيسه قبل 60 عاماً.
وإن كانت الدول الحليفة الـ26 متفقة على ضرورة التصدّي لعناصر حركة «طالبان» في أفغانستان، وتؤيّد طرح بوش بأنّ «الخطر الإرهابي حقيقي، وإلحاق الهزيمة بهذا العدو أولى أولويّات» الحلف، إلّا أنّها لا تتفق بالضرورة على مواضيع أخرى، مثل سبل مكافحة الإرهاب ومستقبل «الأطلسي» والعلاقات مع روسيا في المستقبل.
وفي شأن جورجيا وأوكرانيا، قال بوش، في كلمة في بوخارست عُدّت الأهمّ له في جولته حتى الآن، إنّ الموقف الأميركي «واضح، وعلى الحلف أن يقبل» الدولتين الأوروبيّتين الشرقيّتين ضمن خطة العمل بهدف الانضمام، غير أنّ بعض أعضاء الحلف الآخرين، بدءاً بألمانيا وفرنسا، يخالفونه الرأي. وفي هذا الصدد، سعى سيّد البيت الأبيض مجدداً إلى تهدئة المخاوف الروسيّة، وتطمين موسكو أيضاً بشأن الدرع الصاروخيّة المنوي نشرها في تشيكيا وبولندا، من خلال دعوتها إلى المشاركة في المشروع المخصّص لمواجهة «خطر الدول المارقة».
وأعلن بوش عزمه رفع التعاون الاستراتيجي بين روسيا والحلف «إلى مستوى غير مسبوق»، من خلال إشراك مواقع في الاتحاد السوفياتي السابق في نظام الدفاع الصاروخي. وقال إنّ «الحرب الباردة انتهت، وروسيا ليست عدوّتنا»، داعياً إلى «علاقة أمنيّة جديدة لا تقوم على إمكان تدمير بعضنا بعضاً».
وعن لقائه بوتين الأحد المقبل في منزل الأخير في مدينة سوتشي على البحر الأسود، قال بوش، في مؤتمر صحافي مع نظيره الروماني تراينان باسيسكو في نيبتون، «ليست لديّ أيّ كراهيّة للرئيس بوتين». وأضاف: «إنّها فرصة جيّدة لي للجلوس وإجراء محادثة من القلب إلى القلب معه». وأشار، في ردّ على سؤال عما إذا كان هذا اللقاء الوداعي لهما بصفتهما رئيسين قد يصبح «تحطّماً لقطار الدبلوماسيّة»، إلى أنّ «ما أستطيع قوله هو أنّها فرصة لإجراء حديث صريح».
وفي وقت لاحق، نقلت وكالة «نوفوستي» الروسية للأنباء عن رئيس البرلمان الأوكراني، أرسيني ياتسينيوك، قوله إنّ كييف لن تطرح مسألة إعادة النظر في فترة الاتفاقيّة الخاصّة بوجود أسطول البحر الأسود الروسي على أراضيها، في حال انضمامها إلى «الأطلسي» أو دخولها في خطة العمل المتعلقة بالحصول على عضوية الحلف. وأشار، في حديث للصحافيّين في موسكو، إلى أنّ بلاده بصفتها بلداً أوروبياً يحترم القانون، «ستنفذ جميع التزامات الاتفاقية مع روسيا».
أمّا وزير الخارجيّة الجورجي، دايفيد باكرازي، فقد دعا «الأطلسي»، في مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس»، إلى قبول عضويّته وعدم الرضوخ لـ«الابتزاز» الروسي. وقال: «لا لجورجيا تعني لا بسبب روسيا» وأضاف أنّ قمّة «الأطلسي»، التي تستمرّ 3 أيّام، «ستمتحن ما إذا كان الحلف يستطيع التصرّف وفقاً لمصالحه لا طبقاً لابتزاز الآخرين»، مشيراً إلى أن رفض جورجيا «سيظهر لأولئك الناس في الكرملين الذين يعتقدون أنّه من خلال استخدام سياسة تعجرف واعتداء أنّهم انتصروا».
في غضون ذلك، نسبت وكالة «نوفوستي»، إلى لافروف قوله في «ساعة الحكومة» في مجلس الدوما إنّ توسّع حلف شمال الأطلسي «لن يبقى من دون ردّ، ولكنّنا سنردّ بشكل براغماتي، لا كالتلاميذ الصغار في المدرسة الذين يغتاظون مما يسيء لهم، ويتركون الدرس، وينزوون في مكان معزول للتنفيس عن أنفسهم بالبكاء»، معرباً عن قناعته بأنّ روسيا ملزمة «بالتركيز على إمكاناتها الاقتصادية، وتأمين القدرات الدفاعيّة»، ومشدّداً على «أنّنا جاهزون لمختلف التطوّرات».
من ناحية أخرى، قال لافروف إنّ بوتين سيطرح قضية الوضع المتعلق بإقليم كوسوفو في قمّة روسيا ـــ «الأطلسي»، مشيراً إلى أن بلاده «ستدرس باهتمام» مسألة الاعتراف بالجمهوريّتين الجورجيّتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة. وقال إنّ «الطلب من الرئيس الروسي والحكومة الذي تضمّنه النداء، للنظر في جدوى الاعتراف بهما، يحظى بلا ريب باهتمام بالغ». وأكّد أن الاقتراح «سيُدرس باهتمام كبير مع مراعاة كل العوامل».
وأصدر نوّاب مجلس الدوما في 21 آذار الماضي بياناً عرضوا فيه على الرئيس الروسي والحكومة النظر في جدوى الاعتراف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وتركّز النقاش بالتحديد على إمكان «تسريع عملية حصول أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية على السيادة، وحتى الاعتراف باستقلالهما وفقاً لإرادة السكان».
وفي السياق، قال رئيس أبخازيا سيرغي باغابش إنّ انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي يحمل في طيّاته عواقب خطيرة على السلام والأمن في القوقاز، حسبما نقلت عنه وكالة «نوفوستي».
ولفت باغابش، في رسالة بعث بها إلى الأمين العام لـ«الأطلسي» ياب دي هوب شيفر، إلى أنّه «لا يجوز بحث هذه القضية بغض النظر عن رأي أبخازيا التي تتطوّر خلال السنوات الـ15 الأخيرة بوتيرة ثابتة، بمعزل عن جورجيا التي تمثّل فقط مصدراً للخطر العسكري المستديم». ورأى أنّ التقارب بين جورجيا والحلف في ظل عدم استقرار الوضع السياسي في هذا البلد ووجود نزاعات عالقة «ما هو إلّا خطأ كبير»، مشيراً إلى أن «تبليسي ترى في الأطلسي آلية لتسوية النزاعات مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بالقوة».
(أ ب، أ ف ب، رويترز)