strong>شهيرة سلّوممفارقة لافتة تحكم الحياة السياسية لرئيس زيمبابوي روبرت موغابي، الذي باتت خسارته لموقعه شبه حتمية، إذ بدأ حياته بطلاً أفريقياً مناضلاً ضدّ التمييز العنصري في القارة السمراء، ليتحوّل إلى «طاغية» منتهك للديموقراطية، وهدف للدول الكبرى، ووزر ثقيل على بعض مواطنيه، الذين حكمهم أكثر من ربع قرن أوصل البلاد خلالها إلى الهاوية بعدما سجّلت أعلى نسبة تضخم وأسوأ معدّلات اقتصادية في العالم.
وصل موغابي (84 عاماً) إلى السلطة في عام 1980 رئيساً للحكومة. قبلها كان زعيماً لزانو، أي «الاتحاد الوطني لزيمبابوي الأفريقية»، الذي قاتل في صفوفه الأقلية البيضاء الحاكمة. بالنسبة إلى الجمهور الأفريقي، موغابي قائد وبطل حارب من أجل الاستقلال والحرية، ومناضل شرس بوجه «التمييز العنصري». مغامراته النضالية والسياسية خاضها في أبرز المحطات التاريخية لزيمبابوي أو «بيت الصخر الكبير».
مع انحسار الاستعمار عن القارة السمراء، نالت روديسيا سابقاً استقلالها عام 1965، بعدما أعلنت حكومة الأقلية البيضاء استقلالاً أُحادي الجانب. إلاّ أنّ المستعمر البريطاني رفض، ما دفع حكومة أيان سميث إلى إعلان الجمهورية عام 1970، لينطلق بعدها في مواجهة مع ميليشيات الزيمبابويين الزنوج، وأبرزها حزب «زانو». وانتهى الأمر بالتفاوض معها على تقاسم السلطة.
حين أوشك حكم سميث على الانهيار، اضطر إلى توقيع ميثاق مع ثلاثة زعماء زنوج، بينهم موغابي وزعيم حزب «مجلس الاتحاد الوطني الأفريقي» بيشوب أبل موزوريوا، الذي قدّم الأمن للمدنيين البيض وحقّق غالبية أوصلته إلى رئاسة الحكومة في نيسان 1979.
لكن بقي البيض يسيطرون على شرطة البلاد وقواتها الأمنية، ومراكز الخدمة المدنية، والجهاز القضائي، واستحوذوا على ثلث البرلمان. كان اتفاق تقاسم السلطة لا يضمن للغالبية السوداء، التي تمثّل 99 في المئة، الحكم الكلي.
الاستقلال الحقيقي ترسّخ عام 1980، حين نالت هذه الدولة الأفريقية استقلالها تحت اسم جديد (زيمبابوي) وعلم جديد، وحكومة برئاسة موغابي، بعدما اكتسح حزبه الانتخابات التي جرت في العام نفسه. كانان بانانا كان أول رئيس للبلاد مع حكومة موغابي، ولكن في عام 1987 عدّلت الحكومة الدستور، واستحدثت منصب رئيس تنفيذي، وألغت منصب رئيس الحكومة، وأصبح موغابي أول رئيس تنفيذي للبلاد اتخذ من مشكلة الأراضي القضية المحورية خلال حكمه.
إشكالية الأراضي
رغم حكم الغالبية الزنجية، إلا أنّ الأقلية البيضاء كانت تمتلك أكثر من 70 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة جرّاء السياسة العنصرية التي اتّبعها المستعمر. وابتداءً من عام 2000، بدأ موغابي سياسة جديدة لإعادة توزيع إلزامية للأراضي على الزنوج.
خلّف استيلاء المحاربين القدامى على الأراضي المملوكة من البيض بالقوة أزمة سياسية واقتصادية خانقة، بعد الخطة التي قضت بمصادرة خمسة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية من جملة 12 مليون هكتار مملوكة للبيض، كما قرّر موغابي توزيع ما يزيد على 3400 مزرعة على السود. أدى التطبيق العشوائي لبرنامج الإصلاح إلى انخفاض حاد في حجم الصادرات الزراعية، ما سمح لقطاعي السياحة والتعدين بالتقدّم، وبالتالي إلى نقص حاد في العملات الأجنبية، التي أدّت بدورها إلى تضخم جامح، ونقص مزمن في الوقود والسلع الاستهلاكية.
في عام 2002، عُلّقت عضوية زيمبابوي في دول «الكومونولث» على خلفية اتهامات تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان خلال عملية إعادة توزيع الأراضي، والانتخابات المزوّرة. وبعد انتخابات عام 2005، استهلّت الحكومة الجديدة برنامج عملها بتطبيق «عملية مورامباتسفينا» أو «إعادة النظام» في الأسواق غير الشرعية والبيوت التي ظهرت بطريقة عشوائية في المدن والقرى. عملية أدت إلى تشريد قسم كبير من الفقراء الحضر في البلاد، جرّاء افتقار الشفافية في عملية تخصيص المنازل الجديدة وقطع الأراضي الخاصة بالبناء.
جرّاء هذه السياسات الجديدة، تحوّل بطل الأمس إلى طاغية اليوم، وإلى موضع انتقاد الزيمبابويين والأفارقة على حدٍّ سواء، فضلاً عن هجوم عواصم القوى الديموقراطية الغربية. السنوات الأخيرة من حكم موغابي تميّزت بالفساد المتفشّي، وقمع المعارضة السياسية، وسوء تصرّف في عملية إصلاح الأراضي، وسوء الإدارة الاقتصادية، وتدهور حالة حقوق الإنسان. سياسته الاقتصادية، بحسب منتقديه، أوصلت البلاد إلى الهاوية، وحوّلت «بيت الصخر الكبير» إلى بيت من الحصى، وسجّلت زيمبابوي أعلى نسبة تضخم في العالم، بلغت بحسب صندوق النقد الدولي في كانون الثاني من العام الجاري 150000 في المئة. وبحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، سجّل اقتصاد زيمبابوي أسوأ المعدّلات على الإطلاق مع بطالة بنسبة 80 في المئة.
ومن أجل التصدّي للأزمة، ومن خلال برنامج حمل اسم «مشروع الشروق»، طرح بنك الاحتياط أوراق نقد جديدة، خافضاً القيمة الاسمية للعملة الحقيقية إلى واحد في الألف من القيمة الأصلية. وأُقيمت حواجز على الطرق في شتى أنحاء البلاد لفرض هذا البرنامج الذي لم يحقق المطلوب.
على المستوى السياسي، وبعدما هبطت شعبية «زانو» نتيجة الانكماش الاقتصادي، تكوّنت «الحركة من أجل التغيير الديموقراطي»، بزعامة مورغان تسفانجيراي، المتهم من جانب السلطة بالإرهاب والتخريب. إلاّ أنّ موغابي قمع معارضيه.
وفي انتخابات عام 2005، فاز حزب موغابي بثلثي المقاعد البرلمانية (71 مقعداً من أصل 120)، فرفض تسفانجيراي النتائج وبقي معارضاً شرساًً لموغابي، ووصفه البعض بأنّه أكبر تهديد له منذ تولّيه السلطة. إلا أنّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية التي جرت السبت الماضي غيّرت المعادلة السياسية، ويبدو أن موغابي خسر، وهو في طريقه للرضوخ لما أفرزته العملية الديموقراطية، وتسليم تركة مفعمة بالأزمات.