حسن شقرانيالممثّلة الأميركيّة درو باريمور تتبرّع بمليون دولار لبرنامج الغذاء العالمي من أجل إطعام أطفال كينيا، فيما المنظّمة الإنسانيّة لزميلها جورج كلوني، «ليس خلال مناوبتنا»، تهب 500 ألف دولار للبرنامج نفسه، مخصّصة لتوفير الغذاء للمحتاجين في إقليم دارفور... مؤسّس شبكة «سي أن أن»، تيد تورنر، ينشئ صندوقاً إنسانياً بقيمة 200 مليون دولار لمحاربة الملاريا... منظّمة المخرج دايفيد لينش تخصّص مليون دولار من أجل تمويل المنح للطلّاب الراغبين بدراسة «تقنيّات التأمّل» في «جامعة ماهاريشي للإدارة»، فلينش مهووس بـ«التأمّل التصاعدي»!
«الإجراءات» التي يتخذها مشاهير أميركا من أجل «الإحساس بالرضى عن الذات»، تتنوّع بحسب التجارب الشخصيّة والمشاهدات والانطباعات التي يتخذونها عن العالم بعيداً عن أضواء هوليوود أو استوديوات كاليفورنيا. واللافت في الأخبار أنّ أحدها يفترض مساعدة إنسانيّة قد يجدها العديد ترفاً. فبحسب بيان للينش، «تحتاج أميركا في الحدّ الأدنى، إلى جامعة واحدة تدرّس علم السلام، وبالفعل تروّج للسلام العالمي». وهناك أمر لافت أيضاً. فالصندوق الإنساني الذي أعلنه تورنر، سيُنشَأ بالشراكة مع الكنيستين، «الميثوديّة» و«اللوثريّة»، وذلك على الرغم من أنّ «العملاق الإعلامي» كان قد وصف المسيحيّة في مرحلة من حياته، بأنّها «دين للخاسرين». تضارب برّره بأنّه بلور نظرة جديدة تجاه الأديان مع تقدّمه بالعمر، وبأنّ للكنائس سمعة جيّدة في عملها الإنساني ما وراء البحار.
إذاً فالمحفّزات لوهب المال كثيرة، ما دام الموجود منه كثير. سلعة يرغب مالكها بإبعاد شبح تضخّم رغباته منها من خلال خلق معنى إنساني أو روحي لجزء منها. «توجّهات شخصيّة» تمثِّل مجتمعة سلاحاً ضدّ الجوع والفقر، وتمثِّّل أيضاً مثالاً تحتذي به مكاتب المحاماة في نيويورك على سبيل المثال.
مبادئ أخلاقيّة كثيرة تجمع بين الرافضين لـ«ما» هو عليه العالم حالياً. وجزء من هذا الرفض يتعلّق بالطريقة التي تعتمدها الولايات المتّحدة في «قيادته»: أزمات سياسيّة، حروب، إنتاج للإرهاب من أجل محاربته لاحقاً... والرفض الأبرز الممكن ملاحظته يخرج من شعور الأميركيّين العاديّين أنفسهم. فبحسب استطلاع للآراء أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» بالتعاون مع الشبكة الإخباريّة «سي بي أس»، فإن 81 في المئة من الأميركيّين يعتقدون أنّ «الأمور خرجت بطريقة جديّة وخطيرة نحو السكّة الخاطئة»، وهي نسبة أعلى بـ12 نقطة عمّا كانت عليه العام الماضي وبـ46 نقطة عن الإحصاء الذي أجري عام 2002.
الصحيفة قالت إنّه على الرغم من أنّ المزاج الشعبي من أداء الحكومة الأميركيّة قد توتّر منذ غزو العراق، إلّا أنّ الأزمة الماليّة والاقتصاديّة التي تعصف بالعالم منذ الصيف الماضي، وتهدّد بكساد في الولايات المتّحدة، أعطت دفعاً جديداً لسخط الرأي العام.
مشاهير أميركا يعبّرون عن غضبهم من العالم من خلال «المساعدات» ويحقّقون رضىً ذاتياً في الوقت نفسه. فلنر إذا كان الـ81 في المئة من الأميركيّين سيفعلون الأمر نفسه في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة ليشعروا بالرضى عن البلاد وعن أنفسهم.