إيلي شلهوبتستعد إسرائيل لإجراء المناورة الكبرى في تاريخها يوم الأحد المقبل، في ظل أجواء تذكِّر بما كانت عليه الحال قبل غارة 6 أيلول الماضي على موقع في دير الزور في سوريا.
في ذلك الحين كانت الدولة العبرية تحشد في الشمال. تجري المناورة بعد الأخرى، تحت عنوان «استخلاص عبر حرب لبنان الثانية». تدريبات جرت غالبيتها في هضبة الجولان المحتلة، حيث بلغت حدة التوتر ذروتها.
في المقابل، كان ساسة إسرائيل وعسكرها لا يوفرون فرصة لتوجيه الرسائل التطمينية تجاه سوريا: لا نسعى إلى حرب ولا نريدها. ضرورة تجنب «سوء التفسير». كل ما يجري من تدريبات وحشود ليس إلا جزءاً من عملية إصلاح داخلية تحصل وفقاً لتوصيات التقرير الأولي لـ«لجنة فينوغراد».
سادت عندها وجهة نظر تفيد بأن حرب تموز قد «أدبت» إسرائيل، التي «فقدت قدرتها الردعية»، وعرّتها أمام نفسها بعدما كشفت «زيف مقولة الجيش الذي لا يقهر»، وأن الإسرائيليين «مرعوبون» من حزب الله وسوريا وخلفهما إيران، ويخشون الانجرار إلى مواجهة أخرى تطيح ما بقي لهم من «احترام للذات».
حتى جاءت غارة السادس من أيلول لتفرض على أصحاب هذه النظرية مراجعة حساباتهم؛ أوضحت تلك الغارة أن الإسرائيلي تواق إلى «إعادة الاعتبار» ويسعى لتوجيه ضربات نوعية، تستهدف بالحد الأدنى موازنة هزيمتهم العسكرية في لبنان، وبالحد الأقصى تمهيد الأرضية للجولة المقبلة من القتال. بل أكثر من ذلك، كشفت عن أن مستوى الجهوزية الإسرائيلي تجاوز السقف المطلوب للمخاطرة برد سوري قد يتوسع إلى حرب إقليمية.
مرت العملية بلا «انتقام». التزمت إسرائيل الرسمية الصمت (الذي خرقه إعلامها)، فيما احتفظت سوريا بـ«حق الرد»، بعدما كشفت علناً، في خطوة نادرة، عن تعرضها لعدوان إسرائيلي.
عاد الهدوء ليخيم مجدداً على الجبهة، في ظل أنباء عن رسائل وجهتها إسرائيل إلى سوريا عبر تركيا وعبر مشرعين أميركيين. هدوء بلغت ذروته مع التحضيرات لعقد مؤتمر أنابوليس، وما صدر عنه من تعهد بعقد مؤتمر مكمل في موسكو يركز على المسار الإسرائيلي ــ السوري في عملية السلام المزعومة.
حتى جاءت الصفعة الثانية. عملية نوعية استهدفت سوريا وحزب الله معاً: اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية في أحد شوارع دمشق.
ضربة جديدة كشفت عن مجموعة من المعطيات، أبرزها قدرة استخبارية إسرائيلية عالية المستوى، بلغت حد التمكن من «المس» بشخصية عجزت استخبارات العالم عن الوصول إليها لمدة تجاوزت ربع قرن، بل تصفيتها في عاصمة دولة معروفة بقدرتها على إحكام قبضتها الأمنية الحديدية على أراضيها.
لكنها ضربة علم الإسرائيليون منذ البداية أن الانتقام لها سيكون «حتمياً»، لاعتبارات عديدة، أبرزها موقعية الشخصية المستهدفة في هيكلية حزب الله، وحاجة هذا الحزب إلى إعادة تكريس قواعد اللعبة بما يوفر حصانة لما بقي من شخصياته القيادية.
«إن كنتم تريدونها حرباً مفتوحة... فلتكن هذه الحرب المفتوحة»، عبارة أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أدخلت إسرائيل مجدداً في دوامة من الهلع والترقب، بانتظار «أربعين مغنية»، الذي افترضه الإسرائيليون لحظة بدء العد العكسي للضربة الآتية لا محالة.
مع مرور هذه الذكرى، تزايدت حدة التوتر على الحدود، في خطوة تزامنت مع الاستعدادت للمناورة الكبرى، ومع تسريبات صحافية نفتها دمشق عن استدعاء سوريا للاحتياط. كما ترافقت مع حملة تصريحات تهدئة إسرائيلية تستهدف طمأنة دمشق إلى عدم وجود نيات عدوانية.
لكن ما يميز اليوم عن الأمس هو انقضاء مجموعة من الاستحقاقات التي كان يعول عليها: الرهان على تغيير لم يتحقق من الداخل في سوريا، وعلى نزع الغطاء العربي عنها في «قمة دمشق». المقامرة بمفاوضات إسرائيلية ــ فلسطينية ثبت عدم جدواها، وبمحاولات لإسقاط «حماس» في غزة تأكد فشلها.
مفارقة بين زمنين تشير إلى أن «غارة أيلول» قد تأخذ هذه المرة أشكالاً أكثر «حربجية». ويبقى السباق بين تحضيرات إسرائيل لإحياء الذكرى الستين لقيامها، وتحضيرات حزب الله لاستعادة قدرته الردعية. والويل لمن لا يزال يعتقد أن إسرائيل لن تُقدم على حرب جديدة.