بول الأشقردخلت كولومبيا بقوة ضمن تجلّيات الحملة الانتخابية الأميركية، نهاية الأسبوع الماضي، وخصوصاً مع اشتداد الصراع في ولاية بنسلفانيا، حيث النفوذ القوي للنقابات المعادية للتصديق على اتفاقية التجارة الحرة مع هذا البلد الجنوبي، الأمر الذي يمثّل محور التجاذب بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، في جولة من الممكن أن تكون حاسمة لطموحات كل منهما، في وقت يُنتظر أن يحوّل الرئيس الأميركي جورج بوش، غداً على أبعد تقدير، مشروع الاتفاق هذا إلى الكونغرس لإقراره أو إبطاله خلال تسعين يوماً.
بداية، طلب بوش من الكونغرس تصديق الاتفاقية، لأن «العكس سيفتح مرحلة من عدم الاستقرار وفقدان الثقة مع حلفائنا في القارة». أما أوباما، فتمسّك، في مهرجان نقابي عقده الخميس الماضي، بموقفه المعارض قائلاً: «إن الإبرام سيجعل بنود الاتفاقية التي تتحدث عن الحقوق النقابية مهزلة»، في إشارة إلى كون كولومبيا تحظى برقم قياسي في اغتيالات النقابيين. فأجابه الرئيس ألفارو أوريبي قائلاً إن موقفه يُعدّ «متجنياً»، وهو غير مطّلع كفاية على الموضوع وعلى تدنّي عدد الاغتيالات في السنة الأخيرة.
واستمرّت حلقة الردود هذه، إذ لم يتأخر أوباما، الذي رأى موقف بوش بمثابة «عمى»، معلّقاً على قضية اغتيال النقابيين بالقول: «هذه بالذات السياسة التي لا نريد أن نكافئها». وأتى رد أوريبي الثاني أمس، إذ طالب المرشحين الديموقراطيين باعتماد «الاحترام والموضوعية».
أما هيلاري كلينتون، المعارضة أيضاً للاتفاقية، التي تُعدّ إحدى رايات برنامج النقابات العمالية المؤيّدة للديموقراطيين، فعانت من شظايا هذه الاتفاقية من حيث لم تكن تتوقع. إذ نشرت صحيفة «ذي وال ستريت جورنال»، الجمعة الماضي، خبر اجتماع مارك بن مع سفيرة كولومبيا.
ولكن من هو مارك بن؟ هو رئيس إحدى أهم شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة، وسبق أن عمل مستشاراً لبيل كلينتون وطوني بلير وبيل غيتس. وهو الآن المخطط الاستراتيجي الأول في حملة هيلاري كلينتون، وفي الوقت نفسه، رئيس الشركة التي تعاقدت قبل عام مع السفارة الكولومبية للترويج للاتفاقية في الكونغرس، في مقابل 300 ألف دولار سنوياً. وبذلك، يكون بن حاملاً لشخصيتين: الأولى ضمن حملة كلينتون الرافضة للاتفاقية، والثانية مع السفارة الكولومبية للترويج للاتفاقية في ممرات الكونغرس.
وسارعت حملة كلينتون إلى إصدار بيان ينفي حضور «بن» الاجتماع بصفته مدير حملتها. وحفاظاً على منصبه كرأسٍ للحملة، أصدر بن بياناً يؤكد أن «الغداء مع السفيرة عبارة عن خطأ تقدير، وكلينتون على موقفها المعارض للاتفاقية»
والنتيجة، قرّرت الحكومة الكولومبية فسخ العقد مع شركة بن، إلاّ أن الأضرار الانتخابية كانت قد حصلت. ففي بداية الشهر الماضي، وبعدما اجتمع أحد مستشاري أوباما مع دبلوماسي كندي سرّاً، طمأنه إلى أن أوباما سيلطّف بعد الانتخاب موقفه المعادي لاتفاقية النافتا (اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك). كلينتون استغلّت اللقاء لتقول: «أرشدوني إلى أحد من مستشاريّ اجتمع سرّاً بممثلي حكومات أجنبية». إلاّ أن حملة أوباما لم تتأخرّ في استخراج هذه الجملة وبثّها مجدداً أوّل من أمس.
الخميس الماضي، نصحت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، بوش، بعدم تحويل الاتفاقية إلى الكونغرس، لأن «الجو العام غير مؤات». التصديق شبه مضمون في مجلس الشيوخ، إلاّ أنه معطّل في مجلس النواب، حيث يمثّل الديموقراطيون الغالبية. وبعد حوادث الأسبوع الماضي، يبدو شبه مستحيل أن تجد كولومبيا أربعين نائباً ديموقراطياً، الرقم الذي تحتاجه، مستعدون للتصويت لمصلحتها.