عبّاس صدّ محاولتين للأسد وموسى للوساطة... ورفض طلباً من الشرع للقاء مشعلحسام كنفانيمن الممكن القول إن القمّة العربية في دمشق وضعت النهاية الرسمية لـ«إعلان صنعاء» الموقّع بين حركتي «فتح» و«حماس» لاستئناف الحوار بينهما ووضع حدّ للانقسام الذي خلقه فوز الحركة الإسلامية في الانتخابات التشريعية بداية عام 2007، وكرّسته عملية الحسم العسكري في قطاع غزة في 14 حزيران من العام نفسه.
ورغم أن الأجواء الفلسطينية السابقة للقمّة العربية كانت توحي بأن «إعلان صنعاء» توفي لحظة ولادته، فإن تجنّب مقررات القمة و«إعلان دمشق» الإشارة إليه والاكتفاء بدعم «جهود الجمهورية اليمنية بقيادة السيد الرئيس علي عبد الله صالح والمبادرة اليمنية لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية»، مثّل إجماعاً عربياً على طي صفحة ما جرى توقيعه في صنعاء، وضربة للرئيس اليمني الذي سعى منذ اللحظة الأولى إلى تسويق الاتفاق عربياً باعتباره إنجازاً لبلاده.
ولعل غياب صالح عن القمّة العربية مردّه إلى بوادر الضغوط التي مارسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوفد المرافق إلى دمشق، الذي تألّف للمرة الأولى من فصائل منظمة التحرير ومسؤولي السلطة، لإفشال أي إشارة إلى «إعلان صنعاء» في البيان الختامي لأي اجتماع عربي ممهّد للقمّة.
بداية الضغوط كانت من عمان، حيث كان عباس والوفد المرافق يتحضرون للتوجّه إلى دمشق، التي كانت تشهد اجتماع وزراء الخارجية العرب. وتؤكّد مصادر فلسطينية مطلعة، لـ«الأخبار»، أن أبو مازن تلقّى من وزير خارجيته رياض المالكي اقتراحاً لوزراء الخارجية العرب في ما يخص المبادرة اليمينة و«إعلان صنعاء».
وتشير المصادر إلى أن مقترح وزراء الخارجية كان من ثلاثة بنود، «الأول ترحيب بالمبادرة اليمنية، الثاني بالجهود العربية لإنجاز مصالحة وطنية فلسطينية، الثالث تبني إعلان صنعاء». وكان من المفترض أن تعرض البنود على القمّة العربية لتبنيها إذا وافق عليها عبّاس، إلا أن الرئيس الفلسطيني قرّر قبول أول بندين من الاقتراح وشطب الثالث، مجدّداً مطالبة «حماس» بالتراجع عن الانقلاب «باعتبار ذلك أحد متطلبات الحوار الوطني».
التعديل على المقترح العربي أبلغ مكتوباً إلى رياض المالكي على اعتبار أنه «الموقف الرسمي والنهائي» للسلطة الفلسطينية. والمالكي بدوره نقله إلى الاجتماع الوزاري العربي الذي لم يبتّ مسألة المبادرة اليمنية وإعلان صنعاء، بانتظار وصول الرئيس الفلسطيني إلى دمشق.
الوساطات بدأت من اللحظة الأولى لوصول عباس إلى العاصمة السورية؛ أوّل من قام بها الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الذي تشير المصادر إلى أنه «كان متحمساً للغاية لاقتراح البنود الثلاثة ودافع عن ذلك بحماسة». إلا أن أبو مازن أحبط وساطة موسى في مهدها وأبلغه، بحسب المصادر، أنه مستعد للموافقة على المبادرة اليمنية من دون الحاجة إلى «إعلان صنعاء وحوار لا ينتهي». وتابع أن «على حماس أن تعلن موافقتها أولاً على بنود المبادرة اليمنية من دون تحفظ أو تعديل وبعد ذلك ندرس الآليات بما في ذلك آليات الحوار».
الوساطات لم تنتهِ عند هذا الحد، فخلال لقاء الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الفلسطيني على هامش القمّة، عرض الأسد رؤيته للحل. وقالت المصادر إن «الرؤية قائمة على أن تقوم السلطة بتقديم رؤيتها لمنهجية تنفيذ المبادرة اليمنية، على أن يتم الطلب من حماس أن تقدم رؤيتها، ثم يجري النظر في أمر الحوار الوطني».
وأكّدت المصادر أن «عباس رفض عرض الأسد، وأبلغه بأن حماس تتلقى الأموال من إيران ومن جماعات الإخوان المسلمين». وأضافت إن «الأسد رأى أن تلقي مساعدات من الإخوان المسلمين غير مقبول في سوريا».
رد عبّاس على الوساطات جاء، بحسب المصادر، خلال كلمته في الجلسة المغلقة للقمّة العربية، التي قطع خلالها الطريق على أي محاولة عربية لإعادة العلاقة مع «حماس» قبل تحقيق مجموعة من الشروط «أولها الموافقة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية وعودة الأمور في غزة إلى ما كانت عليه، عندئذ يجري درس الخطوات التالية»، مشدّداً على أن «لا حوار قبل التراجع عن الانقلاب». وأشارت المصادر إلى أن كلمة عباس لم تلقَ اعتراضاً من أحد، ما فسّر قبولاً بشروط الرئيس الفلسطيني.
كذلك فإن عبّاس صدّ محاولة من نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لجمعه مع رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل. وقال المصادر إن عبّاس وجه مجموعة من الانتقادات إلى مشعل ووصفه بأنه «رجل غير نزيه ومخادع».
«جهود» عباس أثمرت في النهاية غياباً تاماً لـ«إعلان صنعاء» عن المقررات، وذكراً خجولاً للمبادرة اليمنية في «إعلان دمشق»، ما مثّل عودة إلى ما اتُّفق عليه في عمّان ونقله إلى رياض المالكي.