منذ يوم أمس، فُتحَت صفحة جديدة في العلاقة الملتبسة بين التيّار الصدري والحكومة العراقيّة، ورئيسها نوري المالكي بالتحديد. علاقة شهدت فصولاً متقلّبة، وعرفت في الأسبوعين الماضيين ذروة توترها. عنف ظهر في المعارك وفي السياسة كذلك. فبعد «صولة الفرسان» التي أرادها المالكي حرباً شاملة للقضاء على «جيش المهدي»، حدّد الرجل معادلة ستكون، إذا التُزم بحذافيرها، مصيريّة في مستقبل بلاد الرافدين: تجميد نشاطات «جيش المهدي» لم يعد يكفي، فعلى مقتدى الصدر حلّه وإلا فسيُحرَم من حقّ المشاركة في الانتخابات المحليّة المتوقّع إجراؤها في تشرين الأوّل المقبل، ويوليها المراقبون أهميّة كبرى لكونها ستحدّد خريطة جديدة لميزان القوى، وخصوصاً على الساحة الشيعيّة.وأبرز ما لفت في «يوم المواقف» العراقيّة، كان ردّة فعل التيار الصدري، على «الفخ» الذي يسعى رئيس الوزراء إلى إيقاعه به: أعلن بوضوح، استعداده لحلّ «جيشه»، شرط أن تطلب «المرجعيّات الدينيّة» ذلك.
وفي حديث إلى القناة الأميركيّة «سي أن أن»، قال المالكي إنّ «القرار اتُّخذ، ليس لهم (التيّار الصدري) الحقّ في المشاركة في العملية السياسية، أو في الانتخابات المقبلة، ما لم يضعوا نهاية لميليشيا جيش المهدي». واستعاد خطابه «الحربي» بعد يومين فقط من إصداره أمراً بوقف أيّة إجراءات ضدّ أنصار الصدر، فأكّد أنّ حكومته «فتحت الباب لمواجهة حقيقية مع هذه العصابات، ولن نتوقّف قبل أن نفرض سيطرتنا الكاملة على كل هذه المناطق».
ولم يكن ينقص المالكي في تعزيز حالة القوّة التي يشعر بها، إلّا تأييد واشنطن لحربه المفتوحة تلك. تأييد جاء على لسان المتحدّث باسم البيت الأبيض، طوني فراتو، الذي دعم ربط المالكي السماح بالمشاركة في العمليّة السياسيّة بحلّ الميليشيات. غير أنّ رئيس الوزراء لم يجد الثقة الأميركيّة الكبيرة بخطواته العسكريّة، فقلّل المسؤول الأميركي من أهمية المعارك الأخيرة بين الجيش النظامي والميليشيات، وقال: «لا أعلم إذا كانت لحظة حاسمة بالفعل»، قبل أن يضيف: «نحن راضون عن قراراته، لأن المالكي يحظى بدعم السياسيّين العراقيّين، ونرحّب بالمواصفات القيادية التي يبديها رئيس الوزراء».
وتأتي هذه التصريحات قبل يومين من موعد التظاهرة «المليونية» التي دعا التيّار إلى تنظيمها في بغداد «ضدّ المحتلّ»، لمناسبة الذكرى الخامسة لسقوط بغداد. تصريحات جاء الردّ عليها من جانب المتحدث باسم التيار، الشيخ صلاح العبيدي، الذي أوضح أنّ «جيش المهدي لا يتلقّى أوامره إلا من الصدر والمرجعيات الدينية الكبيرة التي يستشيرها، وإذا طلبت المرجعيات حلّ جيش المهدي، بالتأكيد سينفَّذ الطلب».
ويبدو أنّ الإجراءات العمليّة لاستشارة المرجعيّات بدأت فعلاً، إذ أكّد أحد مساعدي الصدر، حسن الزرقاني، أنّ الأخير «وجّه أوامر إلى مكاتبه في النجف وقم، لزيارة السيد علي السيستاني في النجف، والسيد كاظم الحائري في قم لمناقشة مسألة حلّ جيش المهدي».
أمّا النائب عن التيار، صالح العكيلي، فأشار إلى أنّ كتلته النيابيّة ستعقد مؤتمراً صحافياً اليوم لتوضيح موقفها الرسمي من الحوادث، فيما توقّع البعض أن يكون هناك موقف واضح من التلويح بحجب الثقة عن الحكومة.
في هذا الوقت، كشف المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، محمد علي حسيني، عن تلقّي طهران «طلباً جديداً من المسؤولين الأميركيين لإجراء جولة مفاوضات جديدة بشأن العراق»، مشيراً إلى أنّ بلاده تدرس الأمر، وهو ما أيّده فيه نسبيّاً نظيره الأميركي شون ماكورماك الذي أبدى استعداد بلاده مواصلة الاجتماعات، نافياً أن تكون واشنطن قد وجّهت طلباً رسميّاً إلى طهران. كما أعرب حسيني عن تأييد طهران لـ«حملة المالكي التي استهدفت التصدّي لجماعات مسلَّحة غير مشروعة».
زحمة التطوّرات الداخليّة في بلاد الرافدين لم تحجب الاهتمام عن موعد اليوم والغد، الذي من المقرر أن يدلي خلالهما كلّ من قائد قوات الاحتلال في بلاد الرافدين، ديفيد بيترايوس، والسفير الأميركي لدى بغداد ريان كروكر، بشهادتيهما بشأن تقدّم الوضع في البلد المحتلّ أمام الكونغرس، يليهما خطاب منتظَر أن يلقيه الرئيس جورج بوش، يوم الخميس المقبل، عن الموضوع نفسه وخططه المستقبليّة.
ومن شبه المؤكَّد أن يوصي بيترايوس، بتجميد سحب قوات جديدة من الميدان العراقي. والمشكلة، وفقاً لحديث بيترايوس لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، هي أنّ «التقدّم السياسي ليس بمستوى التطلّعات»، وأنّه «لا أحد» في الحكومتين الأميركية والعراقية، «يعتقد بأنه تمّ إحراز تقدم كافٍ بأي شكل كان بخصوص المصالحة الوطنية».
أمّا كروكر، فكان أكثر تفاؤلاً، ورأى قبل أيام أنّ الاشتباكات الأخيرة بين «جيش المهدي» والقوّات العراقية المدعومة من قوات الاحتلال، «لا تنفي التقدّم المهم» الذي أنجز في الأشهر الماضية، لكنه اعترف بأن «المكاسب تبقى هشّة».
كلام كروكر دحضه تقرير أصدره معهد «يو أس إينستيتيوت أوف بيس»، حذّر فيه من «خطر غرق الولايات المتحدة في مستنقع العراق لفترة طويلة مقبلة، تمتدّ لعقود». ويلفت التقرير إلى أنّ «التقدّم السياسي بطيء جدّاً وغير منتظم وسطحي، والانقسامات السياسيّة والاجتماعية عميقة للغاية، بحيث إنّ فرص حصول انسحاب أميركي اليوم ليست أكبر ممّا كانت عليه قبل عام».
وارتفعت حصيلة قتلى الجيش الأميركي في اليومين الماضيين إلى سبعة، بينهم ثلاثة قتلى و31 جريحاً في هجمات بقذائف الهاون والصواريخ على المنطقة الخضراء.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)