strong>6 نيسان كشف «تدجين المعارضة» وقدرة النظام على ترويض «حريّة المعلومات»
وائل عبد الفتاح
عاشت مصر أمس يوم ما بعد الإضراب بطريقة تقليدية. جميع الأطراف أرادوا استيعاب ما حدث في ٦ نيسان، الذي مثّل صدمة للنظام وممثّلي الإضراب أنفسهم. الأجهزة الرسمية عبّرت عن رغبتها في «حساب سريع»، فأصدرت نيابة أمن الدولة قرارات بحبس مجموعة من المعتقلين على خلفية حوادث أول من أمس، ١٥ يوماً على ذمة التحقيق، ما يعني أنها «ستفتح ملف قضية كبيرة»، حسبما توقعت مصادر في حركة «كفاية»، التي تنتمي إليها غالبية المعتقلين، الذين لم يعلن عن أعدادهم النهائية حتى الآن.
الصحافة المعبّرة عن النظام تعاملت بمنطق «الإنكار التام» لما حدث أول من أمس، لمنع انتشار عدوى الإضراب، ونشرت أخباراً تشير إلى «انتظام العمل في جميع مؤسسات الدولة ورفض الإضراب». والقنوات التلفزيونية الحكومية وصفت حوادث المحلّة بأنها «شغب مجموعات من البلطجية». وصدرت تعليمات سرية إلى المحطات الخاصة بعدم ذكر موضوع الإضراب وحوادث المحلّة على الإطلاق. كما مُنعت القنوات غير المصرية من المتابعة الحقيقية، واكتفت باستعراض آراء من الطرفين، ولم ينج من التعليمات سوى قناة «بي بي سي» العربية.
وهذه علامة نجاح لخطّة نظام الرئيس حسني مبارك للسيطرة على منافذ المعارضة، سواء في الفضائيات، التي مثّلت «متنفّساً للاحتجاج» خلال السنوات الأخيرة، لكن إضراب نيسان كشف أنها مجرد فسحة تحت السيطرة وقيد التوجيه عندما تريد الأجهزة المحترفة في النظام ترويض «حرية المعلومات».
أو من خلال سيطرة أجهزة النظام على أحزاب المعارضة التقليدية، بعد ابتعادها عن الإضراب، بل وانتقاد بعض قادتها (مثل الدكتور رفعت السعيد رئيس «التجمع») الإضراب، وهو ما لم يمثّل جديداً، لكنه أشار إلى «جدوى» ما سمّي في التحليلات السياسية «تدجين المعارضة» أو «ضم زعماء المعارضة إلى ديكور الديموقراطية عبر صفقات غير معلنة».
الجديد كان موقف جماعة «الإخوان المسلمين»، التي امتنعت عن المشاركة في الإضراب، وتوقعت فشله، بل واكتفى المرشد العام لـ«الإخوان»، مهدي عاكف، بإصدار بيان شبيه بالبيانات الحكومية لا يعلن موقفاً محدداً. وقال إن الجماعة «تتبرّأ من الإضراب» كما لو كان فضيحة.
وعُدّ موقف الجماعة «خذلاناً» أو «كشفاً» لحقيقة موقفها من القضايا العامة وقدرتها على الحركة الجماهيرية خارج الاتفاق المسبق مع أجهزة النظام. مواقع الإضراب وصفت الجماعة بأنها «تغوي السلطة وتسعى إليها». ومع عاطفية الوصف، تمثّل الانتقادات ضربة أكبر من ضربات الأمن لأنها تمهيد لـ«حرق» دور الجماعة كأكبر قوة في المعارضة.
وبقي الرعب هو ما حدث في المحلّة الكبرى التي عاشت أمس يوم ما بعد الحرب. خيّم هدوء حذر على المدينة التي شهدت حرب شوارع بين جماهير غاضبة وقوات الأمن المصرية لم يتم حتى الآن إحصاء ضحاياها من القتلى أو المصابين أو هؤلاء الذين فقدوا عيونهم بطلقات من رصاص مطاطي. الشهود العيان يؤكدون أن قلعة صناعة النسيج المصرية احترقت وتحوّلت إلى مدينة أشباح تحتاج إلى إعادة بناء.
المحلّة هي «تمرين العنف المقبل» أو الإشارات الأولى للعصيان المدني في مصر أو بداية النهاية للنظام المستمر منذ ٢٧ سنة. كلّها تصورات عما سيقود إليه عنف الشوارع في المدينة الصناعية.
فالمواجهة بين العمال والأمن لم تغلق ملفاتها بعد، وحدود الغضب غير معروفة، وخصوصاً بعدما أصبح هناك دم في معركة الحقوق والمطالب لقطاعات تحوّلت حياتها إلى جحيم بعد سياسات أدت إلى ارتفاع الأسعار ٥ أضعاف في شهر واحد.
العنف هو الخيار الوحيد مع بطء استجابة النظام للاحتجاج على الغلاء والاكتفاء باستجابات تجمّل وجه الرئيس وحده، من دون خطوة كبيرة تشير إلى تغيير في إدارة السياسات الاقتصادية على الأقل.
ولأن النظام يحب أن يظهر عنيداً في وجه مطالب المجتمع، فإن التراجع الوحيد تجسّد في خبرين، الأول عن «إحالة مشروع زيادة مكافآت أساتذة الجامعة»، والثاني عن «إعلان الحد الأدنى للأجر الأساسي نهاية الشهرالحالي».
أخبار تبدو مسكّنات لثورة (وهي كلمة تسمع كثيراً وفي حوارات غير المسيّسين) مقبلة تصيب النظام والمعارضة بالرعب. النظام لأنها تذكّره بحوادث كانون الثاني ١٩٧٧، والمعارضة لأنها تراها أقرب إلى فوضى غير مسيّسة. ورغم أن إضراب ٦ نيسان منح إشارة تفاؤل بدخول قطاعات كبيرة من أجيال جديدة إلى الاهتمام بالشأن العام، إلا أن عدم جود «عقل منظّم» في القيادة قد يدفعها إلى هذه الفوضى.