غزة ــ رائد لافي«سجون العالم أفضل من وضع السكان في قطاع غزة»، توصيف دقيق من مسؤول أممي يقيم في القطاع، يعكس عمق الأزمات التي يعانيها سكانه في مناحي الحياة كلها، بفعل إغلاق المعابر والحصار منذ عشرة أشهر. وقال مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، جون جينغ، «دائماً يشير الصحافيون إلى غزة على أنها سجن مفتوح. لكن عندما نتحدث عن مستويات الخدمات والمعيشة، يمكن القول إن أوضاع السجون في الخارج أحسن من الوضع القائم في غزة». وأوضح أن «السجين في أوروبا يتلقى العناية الصحية أكثر من العناية التي يتلقّاها أهل قطاع غزة»، داعياً «المؤسسات والمنظمات والدول في الخارج إلى معرفة ماذا يعني هذا الأمر لهؤلاء الناس»، وواصفاً في الوقت نفسه الحصار بـ«الظالم وغير الشرعي».
أزمة الوقود، واحدة من أكثر تداعيات هذا الحصار وأخطرها، في ظل إصرار إسرائيل على تقليص كميات الوقود الواردة إلى القطاع، بما لا يفي الحاجات الأساسية لحركة المواصلات والمصانع، وحتى المستشفيات.
صورة الحصار لا يمكن تلمّسها بوضوح كما في حركة السيارات العمومية والخاصة، التي تشهد انخفاضاً ملحوظاً يوماً بعد يوم، وهي الأزمة التي تولّدت عنها أزمات مصاحبة في ساعات الصباح والمساء، حيث يعاني العمال والموظفون والطلبة في التنقل والحركة ذهاباً وإياباً.
لا يملك الفلسطينيون في غزة سوى سلاح الإضراب والاحتجاج. سلاح استخدموه كثيراً منذ قرار الحكومة الإسرائيلية تقليص كميات الوقود من المازوت والبنزين قبل أشهر. وهو سلاح يشهره سائقو سيارات الأجرة وأصحاب المركبات الخاصة اليوم.
كثير من أصحاب السيارات الخاصة التي تعمل بالبنزين وجدوا ضالتهم في تحويل سياراتهم للعمل بواسطة الغاز المنزلي، الذي لم يسلم من قرار التقليص الإسرائيلي، لكنه متوافر على قلّته.
محمد أبو خلف، واحد من هؤلاء الذين أعياهم الانتظار طويلاً في طوابير مزدحمة أمام محطات توزيع الوقود، قرر تحويل سيارته للعمل بواسطة الغاز. وقال إنه اقترض مبلغ 1300 شيكل (الدولار يعادل 3.6 شيكلات) لشراء جهاز خاص يُلحق بمحرك السيارة كي تعمل بواسطة
الغاز.
وأشار أبو خلف إلى أن استخدام الغاز يوفّر نحو ثلثي قيمة ما تستهلكه السيارة من البنزين أو المازوت، مضيفاً أن أسطوانة الغاز زنة 14 كيلوغراماً تساوي 54 شيكلاً وتكفي للسير مسافة 140 كيلومتراً في المتوسط، في حين أن المسافة نفسها بحاجة إلى أكثر من 140 شيكلاً لقطعها بواسطة سيارة تعمل بالبنزين.
وأصبح اصطفاف السيارات أمام محطات توزيع الوقود مشهداً مألوفاً في القطاع. وقال عدنان الشيخ خليل إنه أمضى ساعات الليل على الطريق داخل سيارته تماماً لحجز دور له، وقد احتاج إلى مساعدة عناصر من الشرطة لدفع سيارته إلى داخل المحطة.
انقطاع الوقود سبّب أزمة مواصلات حادة، تبلغ ذروتها في ساعات الصباح الأولى، حيث يعتمد آلاف الموظفين وطلبة الجامعات والمدارس بشكل رئيس على سيارات الأجرة للوصول إلى أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم.
الطالبة إلهام، من سكان مدينة خان يونس (30 كيلومتراً جنوبي مدينة غزة) أعياها الانتظار لأكثر من ساعتين في موقف السيارات العمومية، وبعدما فات موعد امتحانها، لم تتمالك نفسها وأخذت تبكي بشدة.
ويقول الموظف هاني الآغا، من مدينة خان يونس، الذي اعتذر عن عدم مداومته في غزة، «لم يبق من نهارنا شيء، لقد ملَلنا الوقوف هنا، وتحمّلنا بما فيه الكفاية. علينا الآن العودة إلى بيوتنا»، مضيفاً بنبرة يائسة «وحتى لو تعطّف علينا أحد أو وجدنا سيارة، فالطريق تستغرق ساعة، فلا داعي للمزيد من التعب، لأن هناك معاناة أخرى أثناء عودتنا، حيث لن نجد سيارات».
وتسمح سلطات الاحتلال بإدخال 800 ألف ليتر من المازوت إلى القطاع أسبوعياً، ما يمثّل 30 في المئة من حاجاته، ونحو 70 ألف ليتر من البنزين أسبوعياً، في وقت يحتاج فيه القطاع يومياً إلى 120 ألف ليتر.