strong>أبو ظبي حريصة على عدم التصعيد وطهران معنيّة بالانفتاح على الخليج
مع انعقاد القمّة العربية في دمشق الشهر الماضي، عادت قضية الجزر الثلاث الخلافية بين إيران والإمارات إلى واجهةالأحداث، لتؤكّد عمق الأزمة في الخليج بين ضفتيه الفارسية والعربية، بعد تأكيد الأطراف العربية، وبينها سوريا، «السيادة» الإماراتية على الجزر الثلاث

معمر عطوي
من الصعب حسم الخلاف القائم بين إيران والإمارات منذ عقود على هوية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. خلاف لا تظهر ملامحه إلا من خلال تصريحات متناقضة بين حين وآخر، تؤكّد كل دولة من خلالها ملكيتها التاريخية لهذه الجزر.
وبحكم العلاقات التجارية والتداخل الاستراتيجي بين الدولتين الفارسية والعربية، بقي النزاع على هذه الجزر «بارداً». إذ إن طهران، التي تؤكد في كل مرة نيّتها توسيع مروحة العلاقات مع الدول العربية، وخصوصاً الخليجية منها، تتجنّب الخوض في هذا الملف الخلافي. وهذا ما تجلّى خلال الزيارات الخليجية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي توّجها بحضوره قمة مجلس التعاون في الدوحة في كانون الأول الماضيحتى الإمارات، التي تطالب دوماً بفتح الملف وعرضه على لجنة تحكيم دولية، تتجنّب التصعيد في مواجهة إيران، في محاولة منها للحفاظ على مصالحها التجارية والاقتصادية، ولا سيما أن مئات الإيرانيين ناشطون اقتصادياً في الإمارات، التي تحوي أيضاً عدداً لا بأس به من المواطنين من أصول إيرانية، فيما تجد الجمهورية الإسلامية في دول الخليج متنفَّساً تجارياً لها يُخفِّف عنها الضغوط الدولية المفروضة عليها منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979.
المحطة الأخيرة في النزاع على الجزر كانت قمة دمشق، التي تضمَّنت مقرراتها التشديد على الهوية العربية للجزر، وتكليف الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الحوار مع الإيرانيين لإحالة القضية على التحكيم الدولي. موقف ردّ عليه وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكّي، الذي كان حاضراً أعمال القمّة، بقوله «هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، الجزر إيرانية».
أماّ سبب هذا التمسك من كلا الجانبين بملكية الجزر فلا يقتصر على ما تحتويه من معادن وثروات طبيعية فقط، بل يستند إلى موقعها الاستراتيجي، من حيث إطلالتها على مضيق هرمز الحيوي في الخليج، الذي تمر عبره ناقلة نفط كل اثنتي عشرة دقيقة.
القواسم والبريطانيون
قد تكون المحطة البارزة في قضية الجزر هي مرحلة ما بعد انسحاب الاحتلال البريطاني من الخليج، وانتشار القوات الإيرانية في الجزر الثلاث في 30 تشرين الثاني 1971. لكن هذه الجزر في الأصل، وبحسب الروايات الإماراتية، كانت ترتبط بتاريخ قبائل القواسم، التي سادت على المنطقة ما بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر. ولم تكن آنذاك قد ظهرت إمارات الخليج العربي على الساحل العماني بعد. فقد كانت قوة القواسم لا تضاهيها قوة في المنطقة، وكانت عاصمتهم إمارة رأس الخيمة، قبل أن ينقلها الشيخ سلطان بن صقر (1803 _ 1856) إلى الشارقة. وتبعية الجزر كانت آنذاك لدولة القواسم التي تتكوّن من رأس الخيمة والشارقة وإمارات خليجية أخرى ظهرت في ما بعد.
في عام 1820، سيطر البريطانيون على المنطقة بعد مواجهات ضارية مع القواسم، الذين أُجبروا على الدخول في معاهدات الحماية والأمن المشترك مع البريطانيين، وطردوا من الساحل الإيراني، فيما بقيت سيطرتهم على عدد من الجزر منها جزيرة «صيري» وميناء لنجة على الساحل الإيراني وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
غير أن الإيرانيين تمكنوا عام 1887 من السيطرة على ميناء لنجة واستولوا بعد ذلك على جزيرة صيري وهنكام، بينما ظلّ حاكم الشارقة، الذي كانت رأس الخيمة جزءاً من إمارته، صاحب السيادة على طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وبعد مشاكل عديدة وقعت بين التجّار العرب والإيرانيين في تلك المنطقة، سيطرت القوات الإيرانية عام 1904 على الجزر الثلاث، ورفعت العلم الإيراني بدلاً من علم الشارقة، ووضعت عليها حراسة جمركية إيرانية.
هذا الإجراء استفزَّ حاكم الشارقة الذي لجأ إلى البريطانيين، طالباً منهم التدخُّل. فما كان منهم إلا أن سارعوا إلى إجراء مفاوضات مع الجانب الإيراني، مستغلّين وضع جزيرة صيري التي كانت بيد الشارقة، ليؤكدوا أن الجزر الثلاث أيضاً للإمارات.
ومنذ عام 1907 دخلت الجزر في مرحلة جديدة من التنافس الاستعماري، بين بريطانيا وألمانيا، بعدما حصل أحد رجال الأعمال الألمان على امتياز استخراج أوكسيد الحديد، الذي تحتوي عليه الجزر، من حاكم الشارقة، الذي ما لبث أن تنازل عن هذا التصريح بعد ضغط من الإنكليز، الذين طردوا الألمان من الجزر بالتعاون مع الشارقة.
والوثائق والمراسلات الرسمية البريطانية تدلُّ على أن الحكومة البريطانية كانت منذ القرن الماضي وحتى عام 1971 تُقرّ بالسيادة الإماراتية على هذه الجزر.
شرطي الخليج
بعد انفصال رأس الخيمة عن الشارقة سنة 1919، دخلت الجزر الثلاث مرحلة جديدة، واقتسمت الإمارتان ملكيتها، فحصلت الأولى على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، بينما بقيت جزيرة أبو موسى تحت سلطة الشارقة.
وجرت محاولة إيرانية ثانية للسيطرة على الجزر عقب إطاحة الأميركيين حكومة محمد مصدق الوطنية في طهران عام 1953، وترويج الغرب لدور شاه إيران محمد رضا بهلوي كشرطي في الخليج والمنطقة؛ في عام 1964، سيطرت إيران على جزيرة أبو موسى. لكن هذا الإجراء لم يدم سوى عشرين يوماً بسبب ما واجهته من احتجاجات عربية واسعة، ما دفع طهران إلى تبرير هذه السيطرة بمناورة حربية طارئة اشترك فيها الأسطولان الإيراني والأميركي.
وإثر خروج البريطانيين من المنطقة، عادت القوات الإيرانية عام 1971 إلى الجزر الثلاث وتمكّنت من فرض سيطرتها الكاملة عليها.
الثورة و«التنظيف»
عقب نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، اتهم الرئيس الإيراني آنذاك أبو الحسن بني صدر الأنظمة الخليجية بأنها حكومات غير مستقلة، وتعهّد «تنظيف منطقة الخليج» من الوجود الأميركي ومن كل ما هو مرتبط بالولايات المتحدة، قائلاً «إن دولة الإمارات وقطر وسلطنة عمان والكويت والمملكة العربية السعودية ترتبط بالولايات المتحدة وليست مستقلة».
وأضاف بني صدر، الذي لم يدم طويلاً في منصبه بسبب إقالته، إن ايران لن تُعيد الجزر العربية الثلاث. وأعلن صراحةً سبب تمسك إيران بالجزر قائلاً «في طرف الخليج هناك مضيق هرمز الذي يمر عبره النفط، وهم خائفون من ثورتنا، فإذا سمحنا لهم بالحصول على هذه الجزر، فإنهم سيسيطرون على الممر، أي إن الولايات المتحدة ستسيطر على هذا الممر، فهل يمكن أن نقدم هذه الهدية إلى الولايات المتحدة؟».
ومنذ تلك الفترة، تحمّل الإمارات إيران مسؤولية عدم إحراز أي تقدم في المباحثات بشأن «الجزر المحتلة»، مشيرةً إلى أن الطريق مسدود في هذا السياق، ولا سيما أن طهران لا تزال إلى اليوم ترفض التحكيم الدولي في مسألة النزاع على الجزر الثلاث، وهي المهمة الموكلة اليوم إلى العقيد القذافي، الذي يبدو أن وساطته لم تبدأ بعد بانتظار مؤشّر ليونة من الجانب الإيراني.


strong>طنب الكبرى
جزيرة تابعة لإمارة رأس الخيمة، تقع على مدخل مضيق هرمز إلى الشمال من جزيرة أبو موسى وتبعد عنها مسافة 50 كيلومتراً. وهي تقابل إمارة رأس الخيمة وتبعد عنها نحو 30 كيلومتراً. يبلغ طول الجزيرة 12 كيلومتراً وعرضها 7 كيلومترات وتُقدّر مساحتها بنحو 80 كيلومتراً مربعاً. وهي دائرية الشكل، غنية بمعادن الأكسيد الأحمر والنفط. نزح سكانها، وكلهم من قبائل تميم وحريز العربية، إلى الشارقة ورأس الخيمة عام 1971.

طنب الصغرى
تسمى أيضاً «نابيو طنب» وهي إحدى الجزر التابعة لإمارة رأس الخيمة، تقع عند مضيق هرمز على بعد 10 كيلومترات غرب جزيرة طنب الكبرى وتبعد عنها مسافة 12 إلى 14 كيلومتراً. مساحتها 20 كيلومتراً تقريباً. والجزيرة مجدبة غير مأهولة بالسكان نظراً لعدم توافر المياه العذبة فيها. وفيها كميات كبيرة من النفط. وهي غنية بالأكسيد الأحمر.

أبو موسى
هي أكبر الجزر الثلاث. تبعد عن الشارقة نحو 43 كيلومتراً. كانت تسكنها قبل السيطرة الإيرانية، نحو مئتي أُسرة عربية تعتاش على صيد السمك، وينزح إليها السكان من الشارقة لصيد الأسماك والبحث عن المرعى. وتمتاز هذه الجزيرة بمياهها العميقة الصالحة لرسو السفن، وبتوافر معدن أكسيد الحديد الذي يجري استثماره وتصديره إلى الخارج.