strong>طغى التشاؤم على مضمون كلام الجنرال ديفيد بيترايوس والسفير ريان كروكر في ثاني أيّام إدلائهما بشهادتيهما أمام الكونغرس، في ظلّ إجماع الطبقة السياسية العراقيّة على اعتبار أنّ الشهادة موجّهة إلى الداخل الأميركي الذي يعيش أجواءً انتخابيّة محمومة. أمّا حكّام بغداد، فقد أحيوا ذكرى سقوط عاصمتهم بشكر الاحتلال على «إنقاذهم» من النظام السابقبغداد ـــ الأخبار
استبعد قائد قوات الاحتلال في بلاد الرافدين، ديفيد بيترايوس، خلال جلسة الاستماع الثانية أمام «لجنة القوات المسلحة» في الكونغرس، حصول أيّ زيادة لقوّات بلاده مستقبلاً، «حتّى إن تدهور الوضع بعد إنجاز انسحاب القوات الإضافية» التي تُقَدّر أعدادها بـ30 ألف جندي في تموز المقبل.
وأشار إلى أنّ ما يمكن فعله، إذا توسّع العنف أو تجدد، هو «إعادة تموضع للقوّات بالقرب من النقاط الساخنة، وزيادة الاعتماد على القوات العراقية التي تتحسّن قدراتها». وتشبّث بيترايوس بتجميد سحب قوّات جديدة، وحذّر من «أنّنا لم نرَ بعد الضوء في نهاية النفق. أعدنا زجاجة الشمبانيا إلى الثلاجة. والتقدّم، رغم أنه يحصل على أرض الواقع، هو هشّ ومعرَّض للتراجع».
وبعد انتقادات عنيفة وجّهها الديموقراطيّون، الذين اتهموا إدارة الرئيس جورج بوش بـ«إغراق البلاد في مستنقع العراق في حرب لا تنتهي»، أكد بيترايوس أنّه يمكنه «رؤية حصول خفوضات أخرى، لكن التساؤل هو بأية وتيرة سيكون ذلك؟».
وتساءل رئيس اللجنة، الديموقراطي أيك سكيلتون، «كيف يمكننا تشجيع ــــ إن لم يكن فرض ــــ قادة العراق المتشدّدين على تأسيس بلد حقيقي بعيداً عن غرائزهم المذهبية البدائية؟»، فيما رآه البعض تركيزاً ديموقراطياً على تحميل قادة العراق مسؤوليّة الإخفاق الأمني والسياسي في بلادهم.
وسخر زعيم الغالبية الديموقراطية في الكونغرس، هاري ريد، من بوش، قائلاً: «عندما يرتفع العنف، الرئيس يقول لا نستطيع إعادة قواتنا إلى الوطن. عندما ينخفض العنف، الرئيس يقول لا نستطيع إعادة قواتنا إلى الوطن». وتابع: «في ظلّ وجود 160 ألف جندي أميركي يخدمون في العراق، الرئيس بوش يملك استراتيجية خروج لشخص واحد: هو نفسه في 20 كانون الثاني 2009»، أي عند انتهاء ولايته.
في المقابل، ردّت إيران على الاتهامات الأميركية التي وردت في شهادتي بيترايوس وكروكر، بتأدية «دور تدميري» في العراق. ورأى المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، محمد علي حسيني، أنّ «التقرير يشير إلى أنه رغم التصعيد الذي كان نتيجته المزيد من القتل، الأميركيون لم يكونوا قادرين على تحقيق أهدافهم المعلنة في العراق». وأضاف أن «الولايات المتحدة لا تستطيع رمي مسؤولية مشاكلها، التي سبّبها أداؤها نفسه، على الآخرين، عبر تحوير الحقائق واللعب على الكلمات».
وفي اتّصال هاتفي أجراه برئيس وزراء العراق، نوري المالكي، جدّد بوش دعمه له «في تطبيق القانون، وتحقيق المصالحة الوطنية، فضلاً عن محاربة العصابات المجرمة».
وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو، لمّحت في وقت سابق، إلى موافقة بوش على توصيات بيترايوس وكروكر، بتجميد سحب القوات ابتداءً من تموز المقبل. وقالت إنّ «الرئيس اعتاد الاستماع إلى قادته الميدانيّين، ولن يكون وفيّاً لأسلوبه إن لن يستمع إليهم».
في هذا الوقت، وجه الرئيس العراقي، جلال الطالباني، رسالة إلى شعبه، في الذكرى الخامسة لسقوط بغداد في يد الاحتلال. رسالة شكر فيها «قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية»، على دورها «في مساعدة الشعب العراقي في إنفاذ مشيئته وتخليصه من نير سلطة الحيف والجور».
كما جدّد تأييده لوجوب حلّ الميليشيات كشرط إلزامي للسماح لأيّ حزب بالمشاركة في العمليّة السياسيّة. وعبّر عن دعمه لحكومة المالكي «في مواجهتها الحازمة للخارجين على القانون وعن الإجماع الوطني».
وبشّر الرئيس العراقي «بربيع جديد» لبلاد الرافدين، مؤكّداً أن الأمور تتّجه «لإعادة تأليف حكومة وحدة وطنية حقيقية برئاسة المالكي»، داعياً ممثّلي القوى السياسية المنسحبة للعودة إلى الحكومة. وكان للتيار الصدري حصّة من الرسالة، إذ حثّه على «الاستجابة للقوى السياسية التي تطالبه بحلّ جيش المهدي»، وشدّد على أنه يعمل باستمرار من أجل إشراك التيار في الحكومة.
بدوره، كشف النائب عن الكتلة الصدرية، ناصر السعدي، أنّ التيار يملك «وثائق بأعداد وأسماء الميليشيات التابعة لفيلق بدر والمجلس الأعلى وحزب الدعوة الموجودين في وزارة الداخلية». وحمّل السعدي هذه الميليشيات ومن خلفها إيران، مسؤولية الاحتقان الطائفي. وأضاف: «الذين يمسكون بالسلطة يأتمرون بأوامر إيرانية، إذ إنّ الحلّ في إيران لا في العراق».
وتباينت مواقف مختلف التيارات السياسية العراقية، من تقرير كروكر ــــ بيترايوس، بين من وافق على مضمونه، ومن عدّه غير واقعي، و«مسّيساً» لخدمة السياسة الداخلية الأميركية.
وفي السياق، رأى النائب عن «القائمة العراقية الموحّدة»، التي يرأسها إياد علاوي، أسامة النجيفي، أنّ طلب بيترايوس منحه مهلة قبل الحديث عن سحب قوات إضافية، «يدل على أن الوضع العام في العراق غير واضح بالنسبة إليه، وأن تقويم الأوضاع وتداعياتها غير مشخّص عند الأميركيين».
أمّا رئيس «جبهة التوافق العراقيّة»، عدنان الدليمي، فقد رأى من جهته، أنّ «التقرير كان واقعيّاً»، وحذّر من أن «انسحاب القوات (الأميركية) سيسبّب الفوضى والصراع الطائفي والعرقي في البلاد».
بدوره، رأى النائب عن «الائتلاف العراقي الموحد»، عباس البياتي، أن الشهادة، «تضمّنت قراءة موضوعية لما يشهده العراق»، لكنه أخذ عليه عدم إشارته «إلى الالتفاف والدعم الوطني والسياسي الذي حصلت عليه الحكومة في حوادث البصرة، كما أن تلك الحوادث لم تحظَ بقراءة متأنية».
ميدانيّاً، تجدّدت الاشتباكات في مدينة الصدر، بين قوات الاحتلال والميلشيات التي تدور في فلك التيار الصدري، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى، معظمهم مدنيون، جرّاء سقوط قذائف هاون على الأحياء السكنية.
وأعلن الجيش الأميركي مقتل جنديّين من صفوفه.