strong>مي الصايغفي بلد شهد ولادة 61 حكومة في خلال 63 عاماً، يختار الإيطاليون من جديد خلال اليومين المقبلين أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، في وقت يعدّ فيه زعيم تحالف يمين الوسط سيلفيو برلوسكوني الدقائق التي تفصله عن العودة إلى رئاسة الوزراء، فيما يتعهد زعيم الحزب الديموقراطي فالتر فيلتروني إعادة روما إلى مجدها. ومن بين 33 مرشحاً، يتمتع برلوسكوني، وعمدة روما فيلتروني (يسار الوسط) بفرصة واقعية للفوز بمنصب رئيس الحكومة الـ62 بعد الحرب العالمية الثانية. إذ أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «إيبسوس»، أن الفارق بين الاثنين تقلّص إلى مستوى نقطتين فقط. وأوضح رئيس المؤسسة، رناتو مانهايمر، أن الكلمة الفصل ستكون في النهاية للفريقين الأصغر في اليمين واليسار، أي الاتحاد الديموقراطي المسيحي و«قوس قزح» (يسار متشدّد).
وفي ظل تصدره لاستطلاعات الرأي، جدّد برلوسكوني ثقته بانتصار قائمة حزب «شعب الحرية» الذي يتزعمه. وكشف عن أن في وسعه منذ الآن أن يجزم بالقدرة على إعلان أسماء وزراء حكومته حتى قبل موعد الانتخابات التشريعية، نافياً إمكان التحالف مع منافسه فيلتروني في حال حصول الكتلتين على عدد مماثل من نواب مجلس الشيوخ، حيث تحدد الغالبية هناك على المستوى الإقليمي، بينما تحدّد في مجلس النواب على المستوى الوطني. وشدد برلوسكوني على «أن التعاون مع المعارضة سيقتصر فقط على مجال الإصلاحات المؤسساتية، ليس إلا». ولم يكتف بذلك، بل عمد إلى تمزيق برنامج منافسه ورمي أوراقه خلفه في خضم اجتماع انتخابي في ميلانو، ناصحاً مؤيديه «بألا يضيعوا وقتهم في قراءة برنامج وسط اليسار».
موقف قابله فيلتروني ببرودة، رافضاً الرد على استفزازات منافسه. إلا أن زعيم الحزب الاشتراكي، أنريكو بوسيلي، وصف تصرف برلوسكوني بالحقير، مشدداً على أن البرامج تتضمن أفكاراً على غرار الكتب وينبغي تعليم أطفالنا قراءة الأفكار، وليس تمزيقها أو حرقها.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، يبدو أنّ المسرح السياسي الإيطالي سيشهد عودة عقد الرباط المقدس الذي أرساه برلوسكوني مع الولايات المتحدة، إذ تعهد القيام بأول زيارة كرئيس للحكومة إلى إسرائيل لحضور الاحتفالات بالذكرى الستين لقيام الدولة العبرية. كما أكد «أن وزير الخارجية المقبل سيكون صديقاً لإسرائيل» من دون تسميته، فيما لمّح مقربون منه إلى نيته سحب الجنود الإيطاليين من لبنان وإعادة مدربين إلى العراق ورفع مستوى المشاركة العسكرية في أفغانستان.
في المقابل، اختار فيلتروني، الذي شغل منصب رئيس بلدية روما منذ عام 2001، لحملته الانتخابية شعار «يمكننا تحقيق ذلك» المستوحى من شعار حملة المرشح الديموقراطي الأميركي باراك أوباما «يس وي كان». وأمل أن يكون حزبه بمثابة القوة الإصلاحية التي تتيح لروما استعادة مكانتها بين دول العالم الثماني الصناعية الكبرى.
وفي معرض لوم الأحزاب اليسارية على فشل الحكومة السابقة، قرر فيلتروني (52 عاماً) أن يخوض الانتخابات بمفرده، ولا سيما أن نظام التمثيل النسبي يؤثر في الائتلافات. كما حاول الابتعاد عن ماضيه الشيوعي عبر استمالة الرأسماليين الإيطاليين بضم عدد من كبار رجال الصناعة إلى قائمة مرشحيه.
وفي سياق التقاذف المتبادل للانتقادات، وعلى خلفية تهديد الحليف الرئيسي لبرلسوكوني، رئيس رابطة الشمال أمبرتو بوسي، بـ «حمل السلاح» بعد الخلاف على بطاقات الاقتراع عقب وضع شعاري الحزبين الرئيسيين على بطاقة واحدة، تساءل فيلتروني: أي حكم ستحصل عليه إيطاليا في ظل حكومة يقودها أناس مثل بوسي، الذي كان قد قال أمام مؤيديه في فيربانيا، «هذه الانتخابات يمكن أن تنتهي بنا إلى أن نحمل السلاح، ونذهب كي نأتي بهؤلاء الكلاب. كلاب يسار الوسط وكلاب روما».
ووسط قصور برلوسكوني وفيلتروني عن اقتراح حلول للنمو الاقتصادي الذي يقترب من الصفر، وإصلاح النظام الانتخابي الذي يعتمد التمثيل النسبي الكامل، والذي يسمح بالحكم لمن ينال الغالبية، ولو كانت ضئيلة، في مجلس النواب. ولا يضمن النظام أكثرية مريحة لأحد الائتلافيين في مجلس الشيوخ، بل يثير إمكان التعادل احتمال العودة إلى صناديق الاقتراع.
فهل يعود إمبراطور المال والإعلام عبر النظام الانتخابي الذي كان عرّابه، وحصد نتائجه المرة في انتخابات عام 2006، أم أن رياح التغيير التي بشّر بها عمدة روما ستطيح برلوسكوني أو على أقل تقدير ستنغّص عليه فوزه؟