ربى أبو عموصربيا تروّت. وثقت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أدركت أنها لا يمكن أن تخسر بهذه السهولة، وأن التاريخ سينصفها حتماً. لم تقلب الطاولة بعد. لا تزال في مكانها. تتأرحج بين فترة وأخرى، بين تمرّد لعناصر صربية داخل إقليم كوسوفو، وبين التصرّف كالمراهقين، الذين يفعلون عكس تعاليم الكبار، ويتمردون. لم تضطرب بلغراد. قررت ببساطة إجراء انتخابات لصرب كوسوفو في 23 بلدية، بالتوازي مع انتخاباتها في أيار المقبل. هذا هو خيارها حتى حلول موعد الانتخابات: أن تتعامل مع الإقليم باعتباره محافظة صربية، غير مكترثة بسلطات الأمم المتحدة التي تدير كوسوفو، والوحيدة المخوّلة إجراء الانتخابات فيه.
بالطبع، لن تقف بعثة الأمم المتحدة مكتوفة اليدين أمام الاختراقات الصربية، والإجراء الذي ستتخذه سيتمثّل على الأرجح في منع تنظيم هذه الانتخابات، وهو ما رجحته الصحافة الكوسوفية.
فهذا القرار يحمل خطة استباقية تسعى بالدرجة الأولى إلى استفزاز الكوسوفيين وصرب الإقليم؛ الفئة الأولى سترفض حتماً هذه الانتخابات، انطلاقاً من كونها غير قانونية، عدا عن كونها اختراقاً لسيادتهم، الأمر الذي لن ترضاه الفئة الثانية، نظراً إلى شعورها بالانتماء إلى الدولة الصربية، يرافق ذلك رفضها الاعتراف باستقلال الإقليم.
كذلك تسعى بلغراد إلى تغذية شعور الانتماء، لأنه المحرّض الأول لعدم استقرار الإقليم، وبالتالي دفع الدول الكبرى إلى تعديل استراتيجيتها. ولا يبدو نجاح صربيا صعباً في هذا الاتجاه، وخصوصاً أن صرب شمال كوسوفو قاموا، بتشجيع من صربيا، بخطوات رمزية وغالباً عنيفة، لإظهار ولائهم لسلطات بلغراد. وليس هذا فقط، بل كان صرب الإقليم قد أعلنوا بعيد استقلال كوسوفو في 17 شباط الماضي، نيتهم إنشاء برلمان صربي في الإقليم لمناسبة انتخابات أيار المقبلة، تعبيراً عن القطيعة مع بريشتينا. وكان ثمن هذه المشاركة تعهدهم بمقاطعة الانتخابات التي نظمتها السلطات الكوسوفية.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ تولي الأمم المتحدة إدارة كوسوفو في عام 1999، لم تعمد بلغراد إلى تنظيم انتخابات محلية في الإقليم.
ومن حيث التوقيت، فقد تلى القرار الصربي هذا إقرار البرلمان الكوسوفي أول دستور لدولته الجديدة، ورد فيه تعريفاً بأن الإقليم هو «جمهورية برلمانية، ودولة لجميع مواطنيها. دولة علمانية وحيادية على صعيد المعتقدات الدينية». أما اللغتان الرسميتان، فهما الألبانية والصربية. ولم يغفل الدستور حقوق الأقليات، ولا سيما الصربية. ومن المفترض أن يدخل الدستور حيز التطبيق اعتباراً من 15 حزيران المقبل، بعد مباركة مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى كوسوفو بيتر فيث، الذي يدير المكتب المدني الدولي المكلّف التحضير لانتشار بعثة الاتحاد الأوروبي في الإقليم.
هذا هو «ختم دولة كوسوفو»، كما وصفه رئيس وزراء الإقليم هاشم تاجي. ختمٌ لن ترضى صربيا إلاّ بتقسيمه. ستلجأ إلى الحرب النفسية حتى موعد الانتخابات. وزير خارجية بلغراد فوك بريميتش سيكرّر أقواله: «إقليم كوسوفو سيفشل كدولة إذا أصرّ على نهج الاستقلال، ولن يصبح عضواً في الأمم المتحدة، ولن ينتمي إلى المجتمع الدولي». بمعنى آخر، لن يختم الإقليم إلاّ بالحبر الصربي. حتى ذلك الوقت، فليكن التقسيم.