يبدو أنّ التوتّر لا يقتصر هذه الأيّام على العلاقات السياسيّة بين المكوّنات التركيّة الداخليّة، فهو يتخطّاها ليطال العلاقات العسكريّة الأميركيّة ــ التركيّة، التي قد يجوز القول إنّها تمرّ حاليّاً في أسوأ مراحلها، علماً بأنها علاقات راسخة منذ عقود. توتّر تتوزّع معطياته على مختلف الجبهات: فمن جهة، قرّر جنرالات تركيا مقاطعة الاجتماع السنويّ للمجلس الأميركي ــ التركي الذي بدأ أول من أمس، ويُختتَم غداً في واشنطن. مقاطعة قرّرت الطبقة السياسية ممثّلة بوزير الخارجيّة علي باباجان دعمهم فيها، على خلفيّة ما وُصف بأنه «ضغط مارسته واشنطن على أنقرة» لتوقف حملتها العسكريّة التي شنّتها القوات التركية على مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقيّة في شباط الماضي.من جهة ثانية، لا يزال الرفض التركي لإرسال قوّات مقاتلة إضافيّة إلى أفغانستان، رغم الضغط الكبير الذي مارسه كل من وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ونائب الرئيس ديك تشيني في أنقرة على حكّامها، يسبّب أزمة حادّة تحول دون تسهيل واشنطن لعقد صفقات تسليح، ترى أنقرة أنّها ضروريّة لأسطولها الجوّي.
وأخيراً، طرأت في الفترة الأخيرة مشكلة إضافيّة، أساسها تفضيل القيادتين العسكرية والسياسيّة التركيّتين التعاقد مع شركات غير أميركيّة، وتحديداً إيطاليّة وروسيّة، وخصوصاً في مجال تركيب نظام صاروخي على أراضيها.
وقرّر جنرالات تركيا وضبّاطها من ذوي رتب النجوم الأربعة وما فوق، مقاطعة اجتماع المجلس الأميركي ــ التركي في واشنطن، وإرسال ضباط من فئة النجوم الثلاث لتمثيلهم. أمّا المستوى السياسي، فيغيب عنه باباجان تضامناً للسبب نفسه، بينما يحضر كل من وزير الدفاع وجدي غونول، ووزير الدولة للتجارة الخارجية خورشاد توزمان، ووزير الدولة للاقتصاد محمد شيمشيك، وأمين سر شركة الأسلحة التركيّة مراد بايار.
وللاجتماعات السنويّة التي يعقدها هذا المجلس منذ تأسيسه قبل 27 عاماً، أهمية كبيرة، لكونه تتخلّله قرارات أساسيّة في العلاقات الثنائيّة العسكرية والسياسية والاقتصاديّة. وجاء قرار المقاطعة مفاجئاً للمسؤولين الأميركيّين، بما أنّه للمرة الأولى منذ 27 عاماً، ستلقي وزيرة الخارجيّة كوندوليزا رايس كلمة في المناسبة في آخر أيام المؤتمر (اليوم).
والقرار التركي قد يستغربه كثيرون؛ فأنقرة نفت أن تكون قد سحبت جنودها من الأراضي العراقيّة «تنفيذاً لأوامر أميركيّة» عبّر عنها خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش في 28 شباط الماضي، عشية إعلان انتهاء الحملة الأكبر في شمال العراق. أدّت الحادثة إلى زلزال سياسي غير مسبوق في تركيا، شهدت خلالها حملة سياسيّة شرسة من المعارضة على الجيش للمرة الأولى، وعلى حكومة رجب طيب أردوغان. حملة اضطرّ فيها رئيس أركان جيشها يسار بويوق أنيت، إلى أن يقسم بشرفه العسكري إنّ قرار قيادته لم يتأثّر بالضغط الأميركي.
من ناحية أخرى، ترى أنقرة أن الرفض الأميركي لتسليمها قطع غيار لمروحيّاتها من نوع «كوبرا»، هو عقاب لرفضها إرسال قوّات إضافيّة إلى أفغانستان (حيث يوجد 750 جندياً تركياً في العاصمة كابول)، ولاتفاقها مع شركة إيطاليّة (AGUSTA WESTLAND) لتزويدها بما تحتاج إليه لمروحيّاتها وطائراتها.
على صعيد آخر، قد يكون أكبر سبب للخلاف الأميركي ــ التركي، هو استعجال أنقرة لروسيا لتقوم هذه الأخيرة بإنهاء العمل بنظام صاروخي جوّي ليُركّب على الأراضي التركيّة، وهو ما دفع بغيتس إلى تحذير المسؤولين الأتراك من مغبّة أن يضرّ التعاطي العسكري التركي مع روسيا في هذا المجال، بعلاقات أنقرة في حلف شمال الأطلسي.
(الأخبار)