strong>حسام كنفانيتثير الإشارات المتضاربة التي تصدر من القاهرة عن التعاطي مع حركة «حماس» والأزمة في قطاع غزة تساؤلات بشأن المسار العام للسياسة المصرية مع الحركة الإسلامية، وما إذا كانت تعبّر عن سياسة عامة أو أهواء شخصيّة تحكمها خلافات داخل البيت المصري.
مؤشرات التباين المصري كثيرة في الآونة الأخيرة، ولعل آخرها ما أعلنه سفير القاهرة إلى واشنطن، نبيل فهمي، عن وجود خطّة لإعادة فتح معبر رفح مع قطاع غزة وإشراك حركة «حماس» في إدارته. إعلان يتناقض بالضرورة مع «الخطة المتكاملة»، التي نشرتها صحيفة «الأهرام» شبه الحكومية، والتي تتّهم فيها «حماس» بالإعداد لاقتحام الحدود المصرية في تكرار لاقتحام كانون الثاني الماضي.
للوهلة الأولى، قد تصنف تصريحات نبيل فهمي في إطار سياسة «التهدئة» مع حركة «حماس»، ولا سيما أن مصادر في القاهرة لم تتورّع عن ربط تهديدات الحركة باقتحام الحدود مع الفورة الشعبية الأخيرة في المحلّة وإضراب 6 و7 نيسان، مذكّرة بارتباطات «حماس» مع تنظيم «الإخوان المسليمن»، رغم غياب التنظيم عن الأحداث الأخيرة واتخاذه موقفاً محايداً إلى حد ما.
غير أن مصادر فلسطينية ومصريّة متطابقة أكّدت لـ«الأخبار» وجود اتجاهين في القاهرة للتعاطي مع «حماس». اتجاهان يتناقضان أحياناً ويتوازيان في أحيان أخرى، يغذيهما الصراع السرّي على المنصب الشاغر لنائب الرئيس حسني مبارك وسيناريوهات الخلافة التي لا تزال مبهمة في القاهرة.
وتشير المصادر إلى وقوف مدير الاستخبارات المصريّة اللواء عمر سليمان، الذي يعرف بأنه «الرجل القوي» في مصر، وراء الاتجاه المتشدّد في التعاطي مع الحركة الإسلامية ومع الوضع في قطاع غزة، بينما يتزعّم الاتجاه الآخر، الأكثر انفتاحاً على الحركة الإسلامية، وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي، الذي كان في مرحلة من المراحل أبرز المرشحين لتولّي منصب نائب الرئيس، وبالتالي خلافة مبارك، قبل سطوع نجم عمر سليمان.
وتسترجع المصادر الفلسطينية حادث اقتحام معبر رفح في كانون الثاني الماضي لتشير إلى «دور تسهيلي» قام به طنطاوي في هذا المجال. وتوضح أن وزير الدفاع «أصدر تعليمات إلى جنود حرس الحدود المصريين بعدم إطلاق النار على الفلسطينيين وعدم التعرّض لهم والسماح بدخولهم إلى رفح والعريش حتى لو اخترقوا الجدار». وتضيف إن الأزمة التي أعقبت الدخول الفلسطيني إلى الأراضي المصرية كانت ناتجة من تدخّل عمر سليمان لدى الرئاسة المصريّة لإغلاق الحدود ووقف هذه الظاهرة تحت مسمّى «الحفاظ على الأمن القومي»، الذي تجلّى بحملة الاعتقالات الواسعة، وأدى في وقت لاحق إلى اتهامات التعذيب التي وجهتها «حماس» إلى قوات الأمن المصرية.
وإن كانت مصادر في القاهرة ترى أن الحديث عن تسهيل طنطاوي لاقتحام الحدود «مبالغ فيه»، إلا أنها لا تنفي أن للرجل أسلوب تعاطٍ خاصاً مع «حماس»، مشيرة إلى علاقته الشخصيّة القويّة جدّاً برئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية، خالد مشعل. ولا تستبعد المصادر المصريّة أن يكون التعاطي المتناقض بين طنطاوي وسليمان جزءاً من توزيع أدوار مصري «للحفاظ على شعرة اتصال خاصة مع حماس وفي غزّة، على اعتبار أن الحركة والقطاع يعطيان للدور المصري في الشأن الفلسطيني وجوده».
وأشارت المصادر في هذا الشأن إلى أن الاهتمام المصري بالقطاع وبالعلاقة مع «حماس» قائم على أكثر من اعتبار، أهمها «اعتبار غزة جزءاً من الأمن القومي المصري، وهم مهتمون بالتهدئة خوفاً من استنزاف القطاع ورميه في الأحضان المصريّة»، مضيفة إن القاهرة «تدرك أن الإسرائيليين غير جادين في مسألة الحسم في القطاع».
وأقرّت المصادر المصرية بوجود خلافات بين سليمان وطنطاوي على منصب نائب الرئيس، وعلى بعض الملفات الخارجية التي تحتكرها مديرية الاستخبارات، وفي مقدمتها الملف الفلسطيني، مشيرةً إلى أن الخلاف تبلور مع تأليف حكومة أحمد نظيف الأولى عام 2004 حين زكّى سليمان أحمد أبو الغيط لمنصب وزارة الخارجية، باعتباره أحد المقربين منه، مستبعداً بذلك السفير المصري في واشنطن نبيل فهمي الذي كان الاتجاه لاختياره باعتباره «السفير الأرفع مرتبة».
وفي سياق مصري ـــــ فلسطيني آخر، قالت المصادر الفلسطينية إن القاهرة قلقة من العلاقة بين «حماس» و«الإخوان المسلمي»، مشيرة إلى أن «الإخوان» يحوّلون 5 ملايين دولار شهريّاً إلى الحركة الإسلامية عبر أنفاق غزة. وفيما رأت المصادر المصرية أن الرقم «مبالغ فيه قليلاً»، قالت أوساط إعلامية في غزة إن «30 مليون دولار تصل إلى القطاع شهرياً عبر الأنفاق».