مهدي السيدالخلاصات خرج بها مراسلو الصحف الإسرائيلية في قراءتهم لدلالات المواجهات الأخيرة، تشير إلى تكرار ظاهرة لبنان في غزة، وتحسّن الأداء الميداني لحركة «حماس»، وقدرتها على تشخيص نقاط الضعف الإسرائيلية، في مقابل عجز إسرائيلي مزمن عن حل معضلة القطاع
رأى المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، عامير ربابورت، أن نتائج المعركة الأخيرة في غزة تثير غير قليل من الأسئلة الصعبة في الجيش الإسرائيلي، وأن الخسائر تدل على تحسن كبير في قدرات المقاتلين الفلسطينيين من ناحية ترسانة السلاح، وكذلك من ناحية التكتيك القتالي.
وأضاف ربابورت أن التحقيقات الأولية التي أجريت في الجيش الإسرائيلي أظهرت نقاط خلل تكتيكية في أداء القوة التي أصيبت مثل المسافة القصيرة جداً بين المقاتل والمقاتل في أثناء تحرّك القوة استعداداً للهجوم، وفي اختيار مسار الحركة.
وأشار ربابورت إلى أنه «من المهمّ معرفة أن الأداء العملاني لقوة غفعاتي التي وقعت في الكمين الفلسطيني، نفذ على خلفية رسالة نقلت إلى القوات الإسرائيلية المرّة تلو الأخرى خلال الأسابيع الأخيرة بضرورة السعي إلى الاشتباك بكل فرصة»، وذلك رداً على الأداء الذي ميّز الجيش الإسرائيلي وجنوده في حرب لبنان الثانية حيث كان الجيش الإسرائيلي يسعى لكي يمتنع عن القتال وجهاً لوجه مع مقاتلي حزب الله، ووضع حماية حياة المقاتلين في رأس سلّم الأولويات.
وإذ رأى ربابورت أن المواجهة الأخيرة ترفع من أسهم الحملة البرية الواسعة ضد قطاع غزة، لفت إلى إرجاء اتخاذ قرار كهذا إلى ما بعد فترة الأعياد.
وفي السياق نفسه، قال المراسل العسكري في «هآرتس»، عانوس هرئل، إنه على الرغم من التصعيد، يبدو أن إسرائيل ستبذل جهداً لتجنّب تصعيد شامل في الفترة القريبة، على خلفية فترة الأعياد، والاحتفال بالذكرى الستين لإعلان تأسيس إسرائيل، وزيارة الرئيس الأميركي جورج بوش.
وأضاف هرئل أنه «من بين الخلاصات المستقاة من التحقيق تلك المتعلقة بالمستوى المهني لحماس». وإذ أشار إلى أنه ليس ثمة خلاف على أن الجيش الإسرائيلي أقوى وأكثر تدريباً بما لا يُقارن مع «حماس»، لفت إلى أن «نسبة التآكل بينهما تتغير بصورة مثيرة للقلق».
بدوره، رأى المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، أن الجيش الإسرائيلي يكرر في غزة الأخطاء التي ارتكبها في لبنان. وأضاف «إنه في كل مرة لم يحرص فيها الجيش على تحطيم الروتين في عمله حيال حزب الله، دفعنا ثمناً باهظاً لقاء ذلك. والآن يحصل لنا هذا في غزة أيضاً».
ولفت فيشمان إلى أن «العدو ــ سواء كان هذا حزب الله أو حماس ــ يعنى بمتابعة مهووسة لتحركات الجيش الإسرائيلي. هذا ما يعرفه أفضل من أي شيء آخر في مجال الاستخبارات، وفي هذه المتابعة، يستثمر الكثير جداً من الطاقة. فهو يبحث طوال الوقت عن نقاط الضعف».
وعلى خلفية الضربة القاسية التي تلقّاها الجيش الإسرائيلي، حذّر فيشمان من أنه «محظور أن يمسّ فشل واحد بقيم المبادرة، الهجوم والسعي إلى الاشتباك مع العدو. بالعكس، هذه قيم يجب تطويرها وتشجيعها والثناء عليها. ومع ذلك، محظور الغرق في روتين النشاط والاستقرار على ما فعلناه جيداً حتى ما قبل أسبوع».
ورأى فيشمان أن «ثمة حرب تآكل يومية، وأن تكتيكها يفرض تحديد السياسة، وما دامت السياسة هي الدفاع وإطفاء الحرائق على طول الجدار، تنشأ حرب أدمغة. كل طرف يتعلم كل الوقت عن الطرف الآخر، وسيكون هناك المزيد من الأخطاء والمزيد من القتلى والجرحى. السؤال هو ما إذا كان هناك من يوظف تفكيراً لا فقط في التكنولوجيا العسكرية، بل أيضاً في سيناريو إنهاء هذه الحرب».
من جهته، وصف معلّق الشؤون العسكرية في «معاريف»، عميت كوهن، ما يحصل في غزة بأنه «حرب الأسيجة»، حيث قررت «حماس» تحويل الحدود إلى «منطقة احتكاك، ولهذه الغاية توظف الجهود والمبادرة والإبداع. وللأسف الشديد، تقوم حركة حماس بذلك بطريقة مشابهة لطريقة حزب الله».
ويرى كوهن أن «تطور حماس، مقارنة بحزب الله، يتم بوتيرة حثيثة». ومغزى ذلك، برأيه، هو أن «حماس لديها القدرة على تعلم أساليب عمل الجيش الإسرائيلي، واستخلاص العبر، والتخطيط والتحسن».
وتطرق كوهن إلى ثقافة «التضحية» الغزاوية التي تختلف عن تلك اللبنانية، على اعتبار أن «الاستعداد لامتصاص عدد كبير من الإصابات، فقط من أجل سفك دم إسرائيلي، هو خاصية تميز غزة».
لكن ما لا يقل خطورة عن التحسن العملاني، بحسب كوهن، هو «حقيقة أن حماس تنجح في أن تمسك العصا من طرفيها. فإلى جانب النشاط العسكري المتواصل، المتحرر من كل قيد، والذي يقوم به الجناح العسكري للحركة، تنجح حماس في الحفاظ على قدرتها السلطوية وكذلك تعزيز صورتها باعتبارها صاحب البيت الوحيد. حيث إنه حتى في أيام القتال، تواصل قيادة الحركة التصرف بصورة شبه روتينية».
إلى ذلك، رأى معلّق الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أنه «طرأ في الأيام الأخيرة الماضية تحوّل جوهري على نمط القتال في قطاع غزة. هذا التركيز الآن على عمليات إطلاق النار وتنفيذ العمليات بالقرب من السياج الفاصل مع القطاع». والسبب في ذلك بحسب يشاي، هو «محاولة حماس تجنّب الأضرار السياسية والإعلامية التي يسببها إطلاق الصواريخ، والاستفادة من المزايا والإنجازات العسكرية والمعنوية التي يمنحها نمط العمل الجديد».
ويخلص يشاي إلى أن «حركة حماس التي تعاني ضغوطاً، والمعنيّة الآن بالتوصّل إلى هدنة في القتال ورفع الحصار المفروض على القطاع، شخّصت أن القتال في محاذاة السياج يُشكل في هذه اللحظة رافعة الضغط الأعنف والأجدى على إسرائيل من أجل قبولها بشروط الحركة للتهدئة».